“جهاز مكافحة الإرهاب”والحرب الطويلة ضدّ التمرد المسلح

أفضل ما أنشأته أميركا في العراق
1ـ3
مايكل نايتس
والكسندر ميلو*

عندما تم استئصال آخر ما تبقّى مما يُسمّى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في غرب الموصل في الأسبوع الثاني من تموز/يوليو الحالي، كان من المناسب أن تقوم كتبية المغاوير رقم 36 بتوجيه الضربات الأخيرة. فالكتيبة 36 كانت أول وحدة للقوات الخاصة العراقية التي تمّ تأسيسها بعد سقوط صدام حسين. واليوم تشكّل أكبر عنصر فاعل في «جهاز مكافحة الإرهاب» [«الجهاز»] – قوة أسستها الولايات المتحدة وتضم أقلّ من 8,000 جنديٍ من قوات النخبة، وهي القوة الأكثر موثوقية عسكرياً وسياسياً تحت تصرف الحكومة العراقية.
واستعاد «الجيش العراقي» و»الشرطة الاتحادية» بعض الثقة العامة منذ انهيارهما في حزيران/يونيو 2014 عندما سقطت الموصل وحوالي 20 مدينةً أخرى في أيدي تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلّا أن قوتين فقط في العراق احتفظتا بثقة الشعب العراقي طوال الحرب. القوة الأولى هي «جهاز مكافحة الإرهاب» المعروف في العراق باسم «الفرقة الذهبية»، وهو نموذج للقومية المتعددة الأعراق والطوائف. والقوة الأخرى هي «قوات الحشد الشعبي»، وهي وحدات من المتطوعين أنشأتها فتوى دينية وأوامر حكومية في حزيران/يونيو 2014، وتقع تحت قيادة أبو مهدي المهندس المدعوم من إيران والذي أدرجته الولايات المتحدة على لائحتها للإرهاب.
وسيشكل تطور هاتين القوتين على الأرجح مستقبل العراق نفسه. وستحتاج بغداد إلى قوات فعّالة لمكافحة الإرهاب تدعمها قدرات الاستخبارات الأكثر تقدماً المتاحة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إذا ما أرادت أن تلاحق تنظيم «الدولة الإسلامية» في الصحارى والمناطق الحدودية والجبال وبساتين الغابات والمخابئ فى المناطق الحضرية في العراق. وبنفس القدر من الأهمية، تحتاج الحكومة العراقية إلى قوات موالية تحت القيادة والسيطرة الكاملة لرئيس الوزراء العراقي، خاصة وأنّ قادة «قوات الحشد الشعبي» مثل المهندس وهادي العامري (رئيس أكبر فصيل في «قوات الحشد الشعبي») يواصلون العمل خارج سيطرة رئيس الوزراء.
وفي أعقاب معركة الموصل، أصبح قوى «جهاز مكافحة الإرهاب» منهكاً. فكونه الأفضل سبّب له خسائر فادحة. وتقدّر الحكومة الأمريكية أنّ «جهاز مكافحة الإرهاب» عانى من «نسبة 40 في المائة من الخسائر في المعركة» في الموصل. وفي هذه المقالة، سننظر في الدروس المستخلصة من العقد الأول لوجود «الجهاز» ونطبقها على الطريقة التي ينبغي أن يدعم بها التحالف بقيادة الولايات المتحدة إعادة بنائه.

لماذا نجح «جهاز مكافحة الإرهاب»
في حزيران/ يونيو 2014، انهار ثلث «الجيش العراقي» وكتائب «الشرطة الاتحادية»، لكن «جهاز مكافحة الإرهاب» استمر وقاد الهجوم المضاد في تكريت وبيجي والرمادي، والموصل في نهاية المطاف. وقد واصل «الجهاز» الذي درّبته الولايات المتحدة القتال بفضل قيامه على الإجادة الكاملة للمفهوم الأساسي للقوة فضلاً عن التجنيد والقيادة والتدريب الخاص بها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي العوامل التي جعلت «الجهاز» قوياً لهذه الدرجة في حين أثبتت سائر قوات الأمن العراقية أنها هشة جداً؟
يشكل الحجم عاملاً حاسماً. فقد بقي «جهاز مكافحة الإرهاب» صغيراً ولم يتجاوز عدده بتاتاً ما يقرب من12,500 فرد. وفي المقابل، جمع «الجيش العراقي» قوة قتالية قوامها 151,250 جندياً، وحافظت «الشرطة الاتحادية» على قوة يبلغ عددها82,500 جندياً أثناء سقوط الموصل. ويدلّ الحجم الصغير لـ»جهاز مكافحة الإرهاب» أنّ معايير الاختيار والتدريب قد تكون صارمة ومماثلة للتلك المستخدمة لتجنيد قوات العمليات الخاصة الأمريكية. وإذا اتخذنا أحد البرامج التدريبية من أيار/مايو 2008 كمثال، نرى أنه لم يتمكن سوى 401 مرشح (18 في المائة) من التخرج كجنود في «جهاز مكافحة الإرهاب» من أصل 2,200 مرشح. كما يسمح صغر حجم «الجهاز» بتلقي رواتب، وظروف معيشية، ومعدات أفضل بكثير من تلك التي تتلقاها القوات العراقية الأخرى. ومع راتب يساوي ما يقرب من ضعف ذلك الذي يتقاضاه جندي عادي في «الجيش العراقي»، وتجهيزات تشابه تقريباً تلك التي يحصل عليها جندي في القوات الخاصة الأمريكية، طوّر «جهاز مكافحة الإرهاب» روح تضامن النخبة واحتفظ بالقوى العاملة الماهرة، التي تضم نسبة عالية من أفضل ضباط الجيش في العراق.
وما لا يثير الدهشة هو أن «الجهاز» أظهر انضباطاً أعلى مستوى من وحدات عراقية أخرى، وعانى أقلّ بكثير من الفساد واختراق الميليشيات لدرجة أن الولايات المتحدة كانت تشعر بالارتياح إزاء مشاركته بعض من أكثر استخباراتها ومعداتها العسكرية حساسية منذ إنشاء «جهاز مكافحة الإرهاب» حتى يومنا هذا. ونجح «الجهاز» في التركيز على الاحتراف، والتعدد الطائفي والولاء للعراق، الذي لا يزال لا مثيل له داخل قوات الأمن العراقية. وكان «جهاز مكافحة الإرهاب» الوحيد بين القوات العراقية الذي قام بتطوير بدايات كادر قوي لضباط صف.
وفي ميدان المعركة، قام «جهاز مكافحة الإرهاب» بعمليات مكافحة الإرهاب الضخمة وعلى نطاق هائل في العراق منذ ما يقرب من سبع سنوات، محافظاً على وتيرة شاقة ومستمرة لعملياتية التي لا تضاهيها أي قوة عمليات خاصة أخرى في العالم. وطوّر هذا «الجهاز» الاستخبارات، واستخدم قضاة داخليين لإصدار أوامر في الوقت المناسب، وأجرى عدة عمليات إلقاء قبض على خلايا المتمردين في كل ليلة في جميع أنحاء العراق، وقام بتشغيل قوات المروحيات الخاصة به، واضطلع بالاستغلال والدمج السريعَين للاستخبارات لشنّ مجموعات جديدة من الهجمات. وبحلول وقت الانسحاب الأمريكي في عام 2011، تطور «جهاز مكافحة الإرهاب» إلى آلة مضبوطة بدقة لمكافحة الإرهاب، وعزز سمعته باعتباره أحد أفضل قوات العمليات الخاصة في الشرق الأوسط.

خيارات لإعادة البناء
إن «جهاز مكافحة الإرهاب» قد اختلف كثيراً بعد ثلاث سنوات من سقوط الموصل. فقد خاضت قواته عدة معارك تقليدية كقوة مشاة خفيفة من النخبة في سيارات «هامفي» زوّدتها الولايات المتحدة. وفي النصف الثاني من عام 2014، كان «جهاز مكافحة الإرهاب» هو الذي صمد في مصفاة بيجي المحاصرة وراء خطوط تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلى أن تم تخفيف الحصار عليه من قبل رَتل يقوده «جهاز مكافحة الإرهاب». وفي عام 2015، نفّذ «الجهاز» عمليات الإخلاء الحضرية في تكريت والرمادي، وتلتها الفلوجة والموصل في العام التالي. وقُتل منه ضباط صف ومغاوير مخضرمون عاماً تلو الآخر، وتلا ذلك فقدان 40 في المائة من قوات الخطوط الأمامية التابعة للجهاز في الموصل. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد جنود «كتيبة المغاوير الإقليمية» في النجف في بداية معركة الموصل 350 جندياً وتقلّص إلى 150 جندياً خلال 90 يوماً فقط من القتال.
واستناداً إلى تتبّع كاتبيْ هذه المقالة لوحدات الجهاز، إذا كان هذا النوع من الاستنزاف المتراكم ينعكس في جميع وحداته القتالية، لكان قد انخفض مجموع قوام «الجهاز» إلى حوالي7,600 جنديٍ أثناء كتابة هذه المقالة (2,700 في الكتائب المقاتلة، و1,900 في عناصر المقر، و2,400 في عناصر كتيبة الاستطلاع والخدمات اللوجستية، و600 عنصر آخر). ووفقاً لتتبّعنا للوحدة، ينبغي أن يبلغ قوام «جهاز مكافحة الإرهاب» حوالى 13,920 جندياً، وهذا يعني أنّ «الجهاز» مزود حالياً بنسبة 54 في المائة من الجنود ولكن بنسبة 34 في المائة فقط من الجنود في الكتائب المقاتلة.

*عن معهد واشنطن

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة