إعداد ـ جابر كريم:
كان للّغة العربية أهمية كبيرة في نقل الثقافة والعلوم العربية إلى العالم الغربي ، الذي أفاد فيها في كثير من مرافق الحياة الاجتماعية الصناعية الأوروبية ، ذلك أن اللغة العربية تمتاز بميزات خاصة جعلها تعتلي عرش الأصالة والعراقة والقوة والشدة ، فهي أصلح اللغات وأسلمها للبقاء وأعرقها منبتاً وأغرها جناباً ، سايرها التاريخ وسايرته مليئة مهذبة دافعة للنضج والحيوية والشاعرية .
فاللغة العربية ، ابلغ اللغات عبارة وأغزرها معنى وأوفرها مادة وأدقها تصويراً وتعبيراً لما يحس به الشاعر والكاتب والأديب وعما يجيش في الصدر ويجول في النفس تتسع لأبعد الأفق والانطلاقات الفكرية والعقائدية والأدبية وترتقي أسمى درجات المتعة فلم تعجز عن تفسير ظاهرة ما أو شرح نظرية أو وصف عاطفة أو تهويل كارثة أو تعميق فكرة ، فتصويرها صادق ، حي التعبير بارز السمات لقد عاصرت اللغة العربية البشرية موغلة في القدم ، وتعايشت معها منذ ان تكلم الإنسان أول الكلام حتى يومنا هذا فرفدت الإنسانية بالعطاء الدائم والفيض العذب ، وبعثت في أوصالها قوة الانتشار فزادتها سعة في الأفق وأضافت إلى إنسانيتها ثوباً من الأصالة والعراقة مطرزاً بالنصح والتهذيب والخلق .
كانت اللغة العربية المعين المتدفق الثري لعلماء ومفكري وفلاسفة الغرب ففتحت لهم منابيع العلم في جميع العلوم والفنون في الرياضيات والطب والكيمياء والفلك والطبيعة والنبات والحيوان والزراعة والصناعة ، وكانت في الأدب الأم الحنون فأرضعته لبن البلاغة في الفكر والوصف والتعبير والحكمة وكانت حيّة الخلد الدائمة في قواعد النحو والصرف والاشتقاق والإيجاز والتركيز في شتى فروع المعرفة ، وكانت لغة الأندلس آنذاك أفصح لغات العرب التي اخذ عنها الغرب بسهولة واستساغها بعد سنوات من دخول العرب إلى الأندلس، كان لمفردات اللغة العربية التي ادخلها الانجليز في لغتهم الفضل الكبير في إنقاذ اللغة الانجليزية من الانقراض كما اللاتينية ، والبروفسور وليم بادويل ( William Bedwell ) 1561- 1632 للميلاد يعد أول من وضع معجماً انجليزياً على هدى المفردات العربية بعد ان درس اللغة في طليطلة الاندلسية على أيادي العرب وقال في مقدمة معجمه ( ان العربية هي اللغة الوحيدة التي تصلح للدين والدبلوماسية والسياسية والمهمة في التجارة اعتباراً من جزر الكناري حتى بحر الصين ) لقد شحذت لغتنا العربية هذه السمات النادرة قبل ان تشحذها لغة ما بفضل القرآن الكريم والإسلام هذبها بقرانه وصقلها وحفظها به وأوردها معان واشتقاقات جديدة نزلت من السماء على الرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).
ويقول الفيلسوف الفرنسي ( ارنست رينان) (Ernest Renan) والمعروف بعدائه للعرب والمسلمين ( أن من اغرب ماحصل في تاريخ البشرية وصعب حل سره هو انتشار اللغة العربية فقد ظهرت على غاية من الكمال فليس للغة العربية طفولة ولاشيخوخة ظهرت لأول أمرها مستحكمة ولم يقع ذلك قط لأية لغة في العالم) ويستطرد رينان فيقول ( ماعهدت قط فتوحاً أعظم من فتوح اللغة العربية ولا اشد سرعة في انتشارها وان العربية عمّت أرجاء كبيرة من العالم ولم ينازعها الشرق في كونها لغة عامية أو لسان فكر سياسي أو ديني) .
وعن أصل اللغة يقول اللغوي البريطاني ( Hartin H.thinson) في مقدمة كتابه ( أسس اللسانيات ) أن لغة أبينا ادم قد فقدت في الفوضى التي عمت بابل بعد دمارها ، وعند تقصي هذه الحقيقة وبحث التطورات التي مرت بها المفردات والحروف الاكدية والسومرية ، ومقارنتها في بنات اللغة العربية كالعبرية والارامية ) اتضح جلياً صحة نظرية اتكنسون (Atkinson).
وبما ان الحضارة هي مرحلة متقدمة لنظام التطور الاجتماعي للأمم والشعوب واللغة هي نظام للاتصال بين تلك الأمم والشعوب للتعبير عن الآراء والمشاعر باستعمال رموز اصطلاحية تميّز الإنسان عن الحيوان في خواص الذكاء والإبداع والتطور .
أن التاريخ الثقافي للأمم مرهون بلغتها لان اللغة هي التي صنعت الثقافة والحضارات ولغتنا العربية تمتاز كذلك بميزة الاشتقاق مما يكسبها صبراً وجلداً في تعدي المعنى واستبداله بآخر وتمتاز كذلك بالمبادلة بمعنيين أو أكثر وفي المبالغة والتقليل والتكبير والتصغير والانفراد والمشاركة والرفع والخفض والنصب والتسكين وهذه السلاسة جعلتها في أول اللغات وفي مقدمتها لكونها الاقرب الى قواعد المنطق ، فالعربي يستطيع من دون غيره من الامم من التعبير عما يعتريه من خلجات دون تصنع أو تكلّف ، بل ان طبيعة اللغة العربية تدل على التعبير بما يريد وعما يحب ، فالعربية خدمت الاسلام ، وتهذبت بالقرآن وبه صقلت حيث أوصلت الإسلام إلى نفوس المشركين ففتحتها وشرحت صدورهم اليه واوصلت العربية الإسلام إلى ابعد الأصقاع في العالم ، فنشرته وعزته وكرمته فانتشر على صفحات الكتب وفي المساجد والجامعات ( قوله تعالى) ( انا انزلناه قراناً عربياً لعلكم تعقلون) .
كان الاستشراق البريطاني في اول واوثق ماعرفته اوروبا من استشراق منذ اتصال بريطانيا بالشرقين الأدنى والأوسط ، ثقافياً واقتصادياً وعسكرياً واستعمارياً في العراق ومصر وفلسطين ، وحملوا معهم الاداب والعلوم العربية وصنفوا النفيس منها فحملت إلى أوروبا آداب العرب وثقافتهم .
فاللغة الغربية هي لغة مصطنعة في حين اللغة العربية لغة اشتقاق تكاد تكون اللغة الوحيدة في العالم التي تحمل هذه الصفة وهناك كثير من الدراسات والقواميس والمعاجم الانجليزية وخاصةDictionaries Elymology لكنه لم يشر الى ان هذه المفردة أو تلك هي من اصل عربي بل يكتفي الى مصدرها اللاتيني الوسيط وان ماقام به اللغويون فيما يخص نظرية اللغة الواحدة ومن اهم هؤلاء العلامة انستاس الكرملي (1866-1947) عضو المجمع العلمي العربي ، صاحب مجلة ( لغة العرب)ومؤلف كتاب ( خلاصة تاريخ بغداد ) يقول : بعد البحث الدقيق والتمحيص وجدنا نسبة المفردات المضرَّية ( ويقصد بها العربية المضرَّية) في اللغة اللاتينية كنسبة ثمانية إلى عشرة) أي من كل عشر مفردات لاتينية هناك ثماني مفردات عربية) .
ويقول ( ماجيلسون) ( ان اللغة العربية ما تزال تعيش حياة حقيقية وهي أهم احدى ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاء لم يحصل عليه غيرها ( الاسبانية والانجليزية) وهي تخالف اختيها بأن زمان حدوثها معروف ولايزيد سنهما على قرون معدودة أما اللغة العربية فابتداؤها أقدم من كل تاريخ .
وهناك كثير من المفردات العربية دخلت الانجليزية بدراية ومعرفة فلاسفتهم وعلمائهم كما ادرج بعضها اختيرت عشوائية لتبيان حقيقة هذه اللغة التي أخذت اللغة العربية الكثير (Home) من العربية (حَوْم) و ( حَوْمَة) جمعها حمى بمعنى الديار والانجليز لايقوون على لفظ لـ( لحاء ) فقد قالوا (هوم) و (House) من الكلمة العربية (حَوْز) أو (حوزة) وحوزة بمعنى دار نقول الحوزة العلمية و (Europe) هي من العربية الاكدية ( غربو) بمعنى غرب و (cake) من العربية ( كعك) و (Buy) من الفعل العربي باع يبيع بيعاً أو وابتاع الشيء بمعنى اشتراه و (Arch) من العربية عرش و (cover) من العربية ( قبر الشيء بمعنى اطمس معالمه ) و (Candle ) من العربية ( قنديل) أي مصباح (justice , just) من العربية قسط وقسطاس وتعني كلاهما العدل.
وهناك الكثير من المفردات العربية في الانجليزية لها صلة بالعربية وليست كما يعتقدون انها مشتقة من اللاتينية أو الفرنسية ، وقد تسنى لي عرض المزيد من الكلمات في المستقبل لاعطاء الموضوع حقه .