دور الظاهر في تحديد مركز الخصوم

ان اصطلاح الظاهر يعد من المصطلحات الغامضة التي تتضمن معاني عديدة . ففي اللغة يقصد به ( صفة لما يبدو واضحاً) أي المحسوس الذي تدركه الحواس , وهذا ما يطلق عليه بالظاهر المادي . وقد يقصد به ما يبدو خلافا لما هو عليه . أي الذي يكون وهما او خدعة أي هو ما يعتقد في وجوده وهذا ما يطلق عليه بالظاهر المعنوي.
اما من الناحية القانونية فيقصد به (( المحسوس المخالف للحقيقية , و الذي يوهم بانه مركز يحميه القانون )) وقد تناول قانون الاثبات هذا المفهوم في المادة 7/ ثانياً بالقول (( المدعي هو من يتمسك بخلاف الظاهر , و المنكر هو من يتمسك بإبقاء الاصل )) و الظاهر بهذا المعنى يستمد العناصر المكونة له من المعنيين المادي و المعنوي . وهنا تتحرك البوصلة في تحديد مركز الخصوم من خلال الطرف المكلف بالإثبات . اذ ان القاعدة او الاصل العام التي اخذت بها غالبية التشريعات هي البينة على من ادعى و اليمين على من انكر , أي يتحمل المدعي وحده عبء الاثبات وهو المكلف به قانوناً , وهذا ما صرحت به الفقرة اولا من المادة اعلاه حيث نصت (( البينة على من ادعى و اليمين على من انكر )) و بناءً على ذلك اصبح لزاما تحديد من هو المدعي . اذ ان النظرة السطحية لهذه المادة تذهب الى تكليف المدعي دائماً بعبء الاثبات , وهذا يجافي الصواب اذ لا يلزم من كان مدعيا في صورة الدعوى على اقامة الحجة لان المدعى عليه في معظم الاحوال لا يلتزم جانب الصمت او الوقوف في موقف سلبي , اذ ليس العبرة في صورة الدعوى في تحديد المدعي و المدعى عليه وانما العبرة بالحقيقة , لان معرفة المدعي الحقيقي و المدعى عليه تتعلق بطبيعة مزاعم الخصوم في الدعوى , فمن زعم في اثناء جريان المرافعة زعماً يخالف مجرى العادة او مقتضى الظاهر ( أي احدث تغييراً في المركز القانوني للظاهر) ويكون هو المدعي الذي يقع عليه عبء الاثبات.
ومن يقف موقف المنكر لمزاعم خصمه فانه لا يكون عليه اثبات ما , فان اجاب الدعوى بقول يدفعها ويخالف الظاهر فيكون عليه عبء اثبات دفعه , فان عجز جاز الحكم عليه , لأنه يكون قد اضاع على نفسه مركزه الاصلي في الخصومة بخروجه من الانكار و الدفاع الى الادعاء والهجوم . وهذا المبدأ يتفق مع المنطق و العقل لان المدعي عادة يدعي امراً خفياً يستوجب اظهاره بالبينة , فالادعاء المجرد لا يخرج من كونه خبرا , فاذا لم تدعمه بينة قلا مرجح لاحد الاحتمالين , اما المدعى عليه فيتمسك بالظاهر , فلا يحتاج الى تأييد آخر و لا يمكن تكليفه بالإثبات . وهكذا يتقاذف الخصمان الكرة ( على حد تعبير الدكتور عبدالرزاق السنهوري ) وكل منهما يدفعها الى خصمه الى ان يعجز احدهما عن ردها , فتسقط من يده ويسجل على نفسه الخسارة . وهذا هو دور الظاهر في تحديد المدعي او المدعى عليه في الدعوى.
القاضي جعفر المالكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة