تحلق في فضاءات ملونة
بغداد ـ الصباح الجديد:
كان المشهد التشكيلي ومازال من أبرز مكونات المشهد الثقافي العراقي، لما انطوى عليه من عمق ومكانة كبيرة، تجذرت بتجارب ابداعية ريادية، تمتد الى عمق التأريخ الانساني والحضاري في هذه البقعة من العالم، التي كانت مهد اولى الحضارات الإنسانية، حيث بلاد الرافدين، الحافل سجلها بكل المنجزات، والعطاءات المبتكرة والخلاقة، التي أسست للبناء الحضاري المتنوع والثري، الذي ارتكز عليها، وكان منها ما قدمه انسان هذه البلاد العريقة من بواكير غير مسبوقة في تكوين المشهد التشكيلي، بأبعاده البدائية، وصولا الى قفزاته النوعية الواعية والجريئة ،في النحت ،والرسم، والخزف، وغيرها من الفنون الجميلة .
وإذا كان هذا العطاء الابداعي الاصيل قد تبلور عبر اشكال ومدارس وتجارب شتى، فإنه شهد عطاء رديفا تمثل بالكليات، والمعاهد، والمنظمات، والجمعيات، والجماعات، فضلا عن الاصدارات التشكيلية المتخصصة، التي احتضنت وبلورت كل ما يتعلق بالمشهد التشكيلي نقديا، وتنظيريا، وتطبيقيا، وعلى مدى اجيال وحقب شتى، لاسيما عبر عدد من الاصدارات الدورية والكتب وغيرها.
وفي هذا السياق جاءت ولادة الرافد الثقافي الجديد «رواق التشكيل»، لتسد فراغا كبيرا عانى منه المشهد التشكيلي برمته، ففي ظل شحة الاصدارات المتخصصة كتبا ودوريات، سجل لجمعية التشكيليين العراقيين» مبادرة الاقدام على هذه الخطوة النوعية، التي طالما انتظرها الوسط التشكيلي بعد اتساع الحراك في إطار هذه الجمعية العريقة، وما اعتمدته من برامج، وانشطة، وفعاليات متنوعة، كانت سببا في تفعيل المشهد التشكيلي خاصة، والثقافي عامة، شملت شتى الاجيال الفنية، وامتدت الى خارج العراق، لتستوعب مهام المرحلة والواجبات المنوطة بها.
وإذا كان العدد (صفر) من مجلة «رواق التشكيل» تحديا ابداعيا كبيرا، بوصفها تصدر، للمرة الأولى، في تأريخ جمعية الفنانين التشكيلين العراقيين، محلقة في فضاءات ملونة، قال عنها رئيسها والمشرف العام على المجلة الفنان التشكيلي الصديق قاسم السبتي، في كلمته الافتتاحية التي جاءت تحت عنوان « الحلم يمتد في أوراق مجلة»: « اننا ياسادة مصرون على إصدار مطبوعنا الفتي هذا، ونتلمس خطوات النجاح بهدوء وروية».
واستقطبت «رواق التشكيل» الفصلية المتخصصة، والتي يرأس تحريرها الصديق الناقد مؤيد البصام، مجموعة مهمة من أبرز الاسماء النقدية والثقافية في العراق والوطن العربي، وبموضوعات مهمة، غطت جوانب مهمة من المشهد التشكيلي، سواء عبر الدراسات النقدية، أم الحوارات، واللقاءات والمتابعات، لمجموعة من الفعاليات والانشطة المتنوعة، لتشكيليينا داخل العراق وخارجه، وكان في مقدمتها دراسة البصام النقدية (صادق ربيع وامتداد الرحلة)، التي حمل الغلاف عملا له بوصفه رائدا من رواد الفن العراقي، لم تسلط عليه الاضواء سابقا.
وكتب الفنان الدكتور بلاسم محمد دراسة نقدية وافية عن معرض الفنان التشكيلي حسام عبد المحسن تحت عنوان (الشعر في فضاء اللون ). وتناول الكاتب والناقد جاسم عاصي اعمال الفنان اسماعيل الخياط عبر دراسة نقدية متميزة، حملت عنوان (جدار الفنان إسماعيل خياط الذاكرة الحيّــــة ).
أما الفنان الدكتور جواد الزيدي فقد كتب عن رائد آخر من رواد الحركة التشكيلية العراقية (رافع جاسم)، اكد فيه الناقد اهمية هذا الفنان، واثره في اجيال متعاقبة من الرسامين العراقيين على مدى اكثر من خمسين عاما، في دراسة حملت عنوان (المثال الكامن في واقع الفنان رافع جاسم).
وفي تتبع متأن ومتفحص وشائق توقف الفنان والناقد عادل كامل، عند الاعمال النحتية للفنان الرائد الراحل عبد الجبار البناء في دراسته النقدية الموسومة (حداثة بعمق الجذور)، في حين تناول الفنان والناقد خالد خضير الصالحي اعمال الفنان هاشم تايه، عبر دراسة حملت عنوان (الاندماج الاستعاري).
وفي باب الجماليات نقرأ للاستاذ الدكتور نجم حيدر دراسة نقدية موشاة بعنوان مهم، ومثير للجدل (إشكالية اللغة بين خطاب النقد وخطاب النص). وفي باب المتابعات النقدية للمعارض يكتب مهدي هندو الوزني عن معرض الفنانين الخمسة في كربلاء المعرض التشكيلي، تخاطر، ومقال عن معرض الفنان محمد مسير بعنوان (محمد مسير وتحولات الصورة). ومعرض الخزف للفنان قاسم حمزة تحت عنوان (التوهج والانبهار في خزفيات قاسم حمزة).
أما الاستاذ الدكتور محمد العبيدي، فيكتب عن منحوتات الفنان طه وهيب التي عرضها في معرض ازاميل (… لغة فن جديدة ، حمل المتلقي ” الانتباه” )، وحلم أثيري يتشح بالسواد في عوالم عبد الجبار سلمان التشكيلية، قدمه من لندن الناقد محسن الذهبي، وكتب محمد براده من المغرب عن جان جينيه الجراح السري- مرسم البرتو جياكوميتي..
وكان التجريد جوهراً إبداعياً في معرض الفنانة التشكيلية صبا شاكر بقلم حميد ياسين. ومعارض الفنانة هدى اسعد، والفنانة صبا شاكر، والفنان شوقي الموسوي، والفنان مهند محمد، والفنان زياد جسام، و(رؤوس في معرض الفنان شوقي الموسوي) بقلم بلقيس كاووش، وزينة فلاح السعيد تفتح معرضها بالعاصمة الأردنية تابعها الفنان ضياء الراوي.
كما كتب عماد رمو عن اعمال الفنان قاسم الساعدي، ومعرض الفنانين قيس السندي، وآخرين في نيويورك (الليل والبيداء تعرفني)، وكتبت الفنانة ندى مهدي شاكر مقالا مترجما وملخصا عن كتاب الفنان الصيني (دراسة عن النحات الصيني النابغة زينغ جينغانغ).
ونشرت المجلة متابعات وافية عن الندوات التي اقامتها الجمعية في موسمها الثقافي للأساتذة النقاد (نجم حيدر- وبلاسم محمد – وسلام جبار )، فضلا عن متابعة للكتب الفنية الصادرة حديثا، مع معرض المجلة للوحات واعمال الفنانين الذين فازوا بجوائز معرض الشباب الأخير (جائزة عشتار).
وقد أضفى الفنان المبدع الدكتور فلاح حسن الخطاط، المعروف بتميزه في ميدان التصميم، بلمساته التصميمية، كثيرا من البهاء على المجلة، من خلال تصميمه لترويستها (رواق التشكيل) التي جاءت موحية ومعبرة ودالة فنيا وجماليا، حيث جميع المعنيين بفنون التشكيل الجميلة ينتظرون صدور أعداد أخرمن (رواق التشكيل).