بقلم: ابراهيم الخياط
لا أبتغي هنا، أن أتحدث عن الجواهري وعلاقته بالمتنبي، فهذا الحديث يمكن أن أختصره بالقول أن الشعر العربي برمّته هو أديم شاسع يشمخ فيه جبلان هما المتنبي والجواهري، وما بينهما تلال ومرتفعات وفي أنجع الأحوال هضاب.
كما لا ابتغي أن أتحدث عن نبوءة الجواهري من استشراف وتوقع ومحتملات قد أفصح عنها حين ترك دجلة الخير أوائل الستينيات وكأنه أو أنه قرأ اللوحة السياسية بعينيه الشاعريتين فشاهد في الافق غباراً أسود، ولأن الرائد لا يكذب أهله فقد أنذر ورحل وبعده اسوّدت سماء بغداد في شباط من عام 1963.
وكذلك أفصح عنها حين ترك راحة ركابه أوائل الثمانينيات لما شاهد البارودَ قمراً والدمَ شمساً والمشانقَ نجوماً متناثرة في سماوات العراق مع الخطوات الاولى لتسنّم صدام منصبَ الجلاد الأول.
وأيضا، لا أبتغي هنا، أن أتحدث عن ابياته المدوّية التي اشتهرت أوائل الستينيات في ردّ فعل شعبي ضد مبدأ «عفا الله عما سلف»، هذا المبدأ الذي كان «ريمونت» الزعيم آنذاك، نعم لا أتحدث عنها لأنّ القصيدة لم تكتب عن الثورة المجيدة في 14 تموز وما بعد اندلاعها بل هي خطاب موجه للفريق بكر صدقي عام 1936 ابان انقلابه الذي اتخذ منه جواهريّنا إسما لجريدته الاثيرة عهد ذاك:
فضيّق الحبل واشدد من خناقهم
فربما كان في إرخائه ضرر
ولا تقل تِرةٌ تبقى حزازتُها
فهم على أي حال كنت قد وُتروا
تصوّر الأمر معكوساً وخذ مثلا
مما يجرونه لو انهم نُصروا
والله لأ قتيدَ «زيد» بإسم «زائدة»
ولاصطلى «عامر» والمبتغى «عمر»
والقصيدة اسمها «تحرك اللحد» ومستهلها:
كِلوا الى الغيب ما يأتي به القدرُ
واستقبلوا يومكم بالعزم وابتدروا
نعم، لا اريد أن أتحدث عما ذكرتُ، ولكن مبتغاي أن اتحدّثَ عن الجواهري المتنبي عندما قال عصماءه:
طالت – ولو قصرت يدُ الاعمار-
لرمتْ سواك، عظمتَ من مختارِ
وفي أتونها أضاف:
ذُعر الجنوب فقيل: كيدُ خوارج
وشكا الشمال فقيل: صنعُ جوارِ
وتنابز الوسطُ المدلّ فلم يدع
بعضٌ لبعض ظنةً لفخار
ودعا فريقٌ أن تسودَ عدالة
فرُموا بكل شنيعةٍ وشنار
إنها قصيدة كتبها الجواهري رثاءً للزعيم الاول «أبو التمن» في أربعينيته أوائل عام 1945، ولقد تنبأ الجواهري، والقول هذا لا أقوله على ما يسري الان فقط، بل منذ انتفاضة شعبنا عام 1991.
نعم لقد تنبّأتَ سيدي أبا فرات، وكانت لقولك وشعرك مصاديق على أواننا وأمسنا وغدنا المديد الكبير، ويصدق القول اذا قلنا:
– أنت الجواهري وأنت المتنبي.