مشاريع مهمة ولكن العقود مبهمة وتفتقر الى الشفافية

تطوير الحقول الحدودية واستغلال الغاز الطبيعي في ذي قار
(2ـ2)
احمد موسى جياد

ثانياً: تفضيل الشركات الاجنبية وعلى الجهد الوطني
كل المؤشرات والمعلومات المتوفرة تدل على ان جميع هذه الرقع الاستكشافية (او الحقول المكتشفة) سيتم احالتها على الشركات النفطية الاجنبية ولن يتم تطويرها بالجهد الوطني. وفي هذا الشأن لابد من تسجيل الملاحظات التالية:
(1)- على الرغم من تصريحاته التي يقول فيها بانه يدعم الجهد الوطني في تطوير الحقول فان جميع ممارسات وزير النفط الحالي تتناقض تماما مع تصريحاته. فقد سبق وان اقترح على مجلس محافظة كربلاء بإحالة حقول الفرات الاوسط الثلاثة على الشركات الاجنبية، ثم عرض 12 حقلا متوسطا وصغيرا بنفس الصيغة؛ كذلك وعد بتخصيص حقلين لمحافظة البصرة؛ ثم تفاوض مع شركة اكسون موبل لارتهان حقلي ارطاوي ونهر بن عمر؛ واخيرا هذه الحقول الحدودية. فماذا سيترك للجهد الوطني او لشركة النفط الوطنية؟
(2)- ان هذا التوجه نحو الشركات الاجنبية يتعارض ايضا وبوضوح مع خطط الشركات الوطنية في المحافظات المنتجة والتي تهدف الى تطوير الحقول بالجهد الوطني مما يعني ان الوزير فرض ويفرض تفضيله للشركات الاجنبية على حساب الجهد الوطني!!!. فقد قال مدير عام شركة نفط ميسان عدنان نوشي ساجت (حسب موقع وزارة النفط بتاريخ 5 كانون اول 2016) بشأن حقل الحويزة ان «خطة تطوير الحقل ستبدأ في العام الجديد وبالجهد الوطني». كما واشار خالد حمزة عباس معاون مدير عام شؤون الحقول في شركة نفط الجنوب (البصرة) في شهر شباط الماضي الى بدء الانتاج في حقل السندباد بين 3 الى 6 أشهر.
(3)- لقد سبق وان صرح وزير النفط (خلال مقابلته مع الشرقية والتي تناولتها في حينه) بانه ليس للعراق الحق في مناقشة الحقول الحدودية مع الكويت عندما تكون تلك الحقول محالة للشركات الاجنبية (بموجب جولات التراخيص). فاذا كان الامر كذلك فما هو سبب اصرار الوزير على احالة هذه الحقول والرقع الحدودية الى الشركات الاجنبية وهو على علم تام بان هذه الاحالات ستجرد العراق من حقوقه القانونية والسيادية؟؟؟ اضافة الى ذلك وحسب تصريحات وكيل الوزارة الاقدم فياض نعمة في شهر نيسان 2016 بان العراق وقع مذكرة تفاهم مع الكويت بشان التطوير بصيغة «الوحدانية- يونيتايزشن» وان الوزارة اعدت مذكرة مماثلة مع ايران.
ثالثا: التنافسية والشفافية ونوعية العقود
تطلب وزارة النفط «الحصول على مقترحات الشركات المؤهلة المشاركة بالمشروع المتعلقة بالنماذج التجارية للعقود النفطية لغرض اعتماد الافضل منها والذي يحقق مصلحة الطرفين». لابد من وقفة تقييمية جدية حول هذا الامر الهام جدا.
(1)- ليس في تاريخ العلاقات النفطية بين اية دولة نامية وشركات النفط الدولية ما يشير الى قيام تلك الدولة بعرض هذا العدد من الحقول والرقع وتطلب في الوقت نفسه من تلك الشركات تقديم العقود الحاكمة لمشاريع تطوير تلك الحقول والرقع. فلا الشواهد التاريخية ولا الاعتبارات العملية ولا الممارسات التفاوضية ولا تحقيق المصلحة الوطنية ولا المسائل الاعتبارية لبلد تقارب صناعة النفط فيه من عتبة قرن كامل تبرر هذا الطلب!!
(2)- من اساسيات ومبادئ وممارسات المفاوضات الدولية ان من يعد المسودة الاساسية (للعقد اوالاتفاقية اومذكرة التفاهم الخ) يحصل على قوة تفاوضية اكثر من الذي يستلم تلك المسودة. وفي حالتنا هذه فان الشركات النفطية الدولية (بسبب خبرتها التفاوضية وامكانياتها القانونية والفنية والمالية والتعاقدية والبشرية المتخصصة) ستعمد ( منطقيا) الى تقديم صيغة او شروط عقد يحقق اعلى سقف لمصلحتها وان اي تنازلات تفاوضية لاحقة مهما تتعدد اشكالها ستترك ذلك العقد لصالحها اكثر من ان يكون لصالح الطرف الاخر (وزارة النفط). وهنا علينا ان نتذكر ارقام اجور الخدمة «العالية جدا» التي قدمتها الشركات النفطية في جولات التراخيص مقارنة بالأرقام «التعاقدية» التي قبلت بها تلك الشركات ومنها مثلا تلك الخاصة بحقول ميسان الثلاث حيث كان التباين بين الرقمين يعادل عشرة اضعاف تقريبا ونفس الامر ينطبق على عقد حقل الزبير. وانني ارى من السذاجة ان نتوقع من الشركات النفطية الدولية تقدم ما «يحقق مصلحة الطرفين» كأساس للتفاوض!!
(3)- ويصبح الامر اكثر صعوبة وتعقيدا في حالة «عدم التوازن النوعي والكمي» بين الامكانيات البشرية والتنظيمية للاطراف التفاوضية. وكما موضح اعلاه فان ما تعرضه وزارة النفط يصنف الى ثلاث مجموعات: حقول منتجة؛ حقول مكتشفة (تم في قسم منها حفر ابار ولم يتم الحفر في بعضها الاخر) ورقعة استكشافية بحرية واحدة. ان كل مجموعة سيكون لها عقد خاص يختلف جوهريا (بدرجات متفاوتة) عن عقدي المجموعتين. يضاف الى ذلك ان اعلان الوزارة اشار الى تسع رقع فقط في حين ان تفاصيل الاعلان تشير الى 12 رقعة وتركيب جيولوجي وحقل. ولو افترضنا جدلا ان هناك شركة واحدة (منفردة او ائتلاف شركات) لكل من الرقع التسعة فسيكون امام وزارة النفط على الاقل تسعة عقود متباينة تماما. وهنا تبرز التساؤلات التالية والتي على وزارة النفط اخذها بنظر الاعتبار:
هل تملك دائرة العقود في الوزارة الامكانيات البشرية والمعرفية لتحليل وتقييم العقود المقدمة من تلك الشركات؟
ماهي معايير اختيار العقد في حالة عدم وجود عرض تنافسي؟
ماهي المعايير التنافسية للمفاضلة في حالة وجود اكثر من عرض لأية رقعة؟ (لم تذكر دائرة العقود في اعلانها هذه المعايير ولا متى ستعلنها)
(4)- كما واوضحت المعلومات والتصريحات الرسمية ان صيغة العقد ستتضمن «المسوحات الزلزالية وحفر الابار الاستكشافية والتقييمية وبرامج مسح وازالة الالغام والاجسام غير المنفلقة وانتاج النفط الخام والاستغلال الامثل للغاز الحر او الغاز المصاحب، وتوفير التمويل والخبرات والتكنولوجيا والمعدات والمكائن والخدمات «.
وهذا يعني ان مدة العقد (بغض النظر عن طبيعته القانونية) ستكون بالضرورة بعيدة المدى قد تتجاوز 15 عاما؛ ولكن ذلك يتوقف على خطط التطوير التي تحدد مستوى الانتاج في ضوء الاحتياطي المؤكد للحقل المعني.
(5)- خلال مقابلته مع تقرير نفط العراق (اراوار) بين مدير عام دائرة العقود عبد المهدي العميدي بما معناه ان الوزارة ستقوم بأعداد انموذج العقد النهائي بعد تسلمها لمقترحات الشركات الخاصة بالشروط التجارية (المالية) مؤكدا ان الوزارة لن توقع عقود مشاركة في الانتاج؛ ولكنه اشار الى عقد يتضمن «توزيع الارباح». . وفي هذا الخصوص ارى من الضروري جدا ما يلي:
(ا)- تجنب استخدام «عقد توزيع الارباح» لان هذا العقد ربما يشكل (من النواحي القانونية والاقتصادية والفعلية) الجانب النقدي لعقد المشاركة في الانتاج؛ وخاصة عندما يوفر هذا العقد للشركة الاجنبية «حق امتلاك الارباح المستقبلية (فيوتر بروفت تايتل كليم)»؛
(ب)- على الوزارة الاستفادة من تجربة عقود جولات التراخيص وتجنب نواقصها وخاصة ما يتعلق بنسبة استرداد الكلف الرأسمالية وهيكلية تسديد رصيدها المتبقي. وفي هذا المجال هناك العديد من البدائل الممكنة التي تعتمد على نوعية الحقل او الرقعة الاستكشافية؛
(ج)- تحديد «المعايير التنافسية» للمفاضلة بين العروض المقدمة من الشركات بعد دراسة وتقييم تلك المعايير بنحو سليم ومهني وضمن افتراضات عديدة.
(د)وقد يكون من المفيد جدا قيام دائرة العقود في الوزارة بعرض ومناقشة وتقييم كل من بدائل «توزيع الارباح» و»نسبة وهيكلية استرداد الكلف الرأسمالية» و»المعايير التنافسية» و «انموذج العقد النهائي» بنحو مستفيض ومهني ومتاني قبل عرضها على الشركات الاجنبية؛ وربما من المفيد اشراك الخبراء والمعنيين بالعقود النفطية من العراقيين خارج القطاع النفطي في هذه المناقشة.
(ه)- كذلك اجد من الضروري جدا تضمين فقرة في «انموذج العقد النهائي» تتعلق بحق العراق في شمول الحقل المعني بصيغة «الوحدانية- يونيتايزشن» عند الضرورة؛ على الرغم من انني ارى ان يتم تطوير الحقول الحدودية بالجهد الوطني فقط لاعتبارات اقتصادية وعملية وخاصة في حالة الاتفاق علي تفعيل صيغة «الوحدانية- يونيتايزشن» مع ايران او الكويت في المستقيل المنظور.
الموضوع الثاني: باستغلال الغاز الطبيعي المصاحب من حقول نفط الناصرية والغراف في محافظة ذي قار
ان استمرار حرق الغاز الطبيعي المصاحب يشكل احد شواهد فشل السياسة النفطية في العراق. وعلى الرغم من ان عقود جولة التراخيص الثانية تلزم كل من الوزارة والشركات المتعاقدة استغلال الغاز المصاحب وان شركة غاز البصرة (كمشروع مشترك مع كل من شركتي شل ومتسوبيشي) تستعمل بعض من الغاز المصاحب المنتج من بعض الحقول الجنوبية؛ الا ان نسبة حرق الغاز لازالت مرتفعة وتتزايد طرديا مع تزايد انتاج النفط مسببة اضرارا بيئية مؤثرة وخسائر اقتصادية هائلة. ورغم كل التصريحات والوعود والخطط فان نسبة حرق الغاز المصاحب قد ازدادت من 72% في شهر كانون ثاني الى 75% في شهر نيسان من هذا العام.
وفي هذا المجال اعلنت وزارة النفط (13 تموز 2017) بانه تم توقيع عقد مشروع استغلال الغاز المصاحب في حقلي الناصرية والغراف مع شركة جنرال الكترك (متمثلة بشركة بيكرهيوز) حيث يتم تنفيذه على مرحلتين وعند اكتماله يكون بقدرة 200 مليون مقمق وسيتم توفير الغاز الجاف لمحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصدير اطنان من غاز البترول المسال والمكثفات.
من الجدير بالذكر ان هذا المشروع هو من نتائج «اتفاقية المشاركة» وهي الاولى من نوعها التي وقعتها الوزارة مع شركة جنرال الكترك (جي اي نفط وغاز) في شهر نيسان من عام 2016 (في وقت الوزير السابق) وتغطي عدة مجالات وانشطة في قطاع النفط والغاز والطاقة الكهربائية.
ومن الطبيعي القول ان اي مشروع جدي لاستغلال الغاز المصاحب يشكل اضافة نوعية مهمة للاقتصاد العراقي يستحق الدعم والاسناد؛ الا ان ذلك يتطلب اعداد دراسة الجدوى الاقتصادية الرصينة والواقعية من جهة والشفافية الكاملة للعقود المتعلقة بذلك المشروع. وهذا ما لم تفعله او توضحه وزارة النفط.
(1)- لم تعلن وزارة النفط لحد تاريخه اية تفاصيل تتعلق بمضامين وشروط اتفاقية المشاركة المذكورة اعلاه ولا الاطر القانونية الحاكمة وخاصة ما يتعلق بالمسائل المالية. ونضرا لكون وزارة النفط هي التي وقعت هذه الاتفاقية فانها من الناحية الدستورية تعتبر اتفاقية دولية مما يحتم موافقة البرلمان العراقي عليها بقانون ينشر في الجريدة الرسمية- الوقائع العراقية، فهل تم ذلك؟
(2)- كذلك لم توضح الوزارة ماهية الالتزامات القانونية والتعاقدية لكل من (او بين) شركة جنرال الكترك و شركة بيكرهيوز.
(3)- من الواضح ان هذا المشروع قد احيل الى الشركة بطريقة مباشرة وبدون اعلان وبدون اي عرض تنافسي.
(4)- كما لم يتم نشر او تقديم اية معلومات تتعلق بالعقد الخاص بهذا المشروع او شروطه الاساسية؛ وعليه فان افتقاد كل من التنافسية والشفافية تزيد من احتمالية الشك في نزاهة العقد حيث من الثابت دوليا وقانونيا ان التنافسية والشفافية والنزاهة هي ضمن الاعمدة الاساسية للحوكمة الرشيدة والضامنة لتحقيق مبدا «قيمة للمال- فاليو فورمني».
(5)- وليس من المعروف فيما اذا تم ام لم يتم اعداد الجدوى الفنية الاقتصادية للمشروع وحجم التدفقات النقدية (كلف رأسمالية وتشغيلية وعوائد) السنوية والاجمالية؛ هيكلية ومصادر وشروط التمويل؛ معدل المردود الداخلي (اي ار ار)؛ المفاضلة بين البدائل الفنية المتاحة وغيرها من المسائل التي تتناولها عادة دراسات الجدوى للمشاريع.
وختاما لابد من التذكير ان الدستور العراقي (في المادة 112 –ثانيا) يؤكد على امرين اساسيين لهما علاقة مباشرة بالموضوعين التي تمت مناقشتهما اعلاه: الاول يتعلق بتحقيق «اعلى منفعة للشعب العراقي» والثاني اعتماد «أحدث تقنيات مبادئ السوق»؛ وفي ضوء ما تم عرضه وتحليله يتضح ان الوزارة لم تمتثل لهذه المتطلبات الدستورية الملزمة في كلا الموضوعين!

استشارية التنمية والابحاث (العراق)
النروج

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة