الطائفية الثقافية الجديدة

يبدو أن لوثة الطائفية الإثنية أو العقدية بعد أن انتقلت إلى الفضاء السياسي أخذت مساراتها بالعراق تتجه نحو ولادةٍ هجينةٍ لطائفيةٍ ثقافيةٍ جديدةٍ في العراق، وهنا تكمن المشكلة وتتعاظم، وتتضاعف مسؤولية ربط أحزمة السلامة، ومكمن الخطورة يأتي؛ بوصف الثقافة المحرك والموجه الأخطر في إدارة مسار الخطاب أي خطاب، لما تملكه من سلطة تأثير وإقناع وحضور لدى الجماهير، ولعل بعض مظاهر هذه الطائفية يرشح بقوة هذه الأيام، تزامنا مع مناسبة وطنية كبيرة وهي انتصار الإرادة العراقية على تمثلات الطائفية الدينية التي خسرت رهانات الزمر التكفيرية «كداعش» وعجزت على إحيائها في البلاد :
– أولا: استفحال أيدلوجيا الذات الفردية أو الجمعية: وهذا المعطى جعل «المثقف!» يتحول من منتج تجريدي تنويري(تجريدي:أي موضوعي غير منحاز) إلى منتجٍ للخراب يرمم عجزه بقوة السلطة كحجة حاكمة وضاغطة تبث الخوف والكراهية غير قابلة للنقد، بل حتى غير قابلة للمراجعة مع الذات التخريبية نفسها، بعد إضفاء مسحة من القداسة عليها. الإسلاموي السياسي أنموجاً: (والإسلاموي: غير الإسلامي، فالأول المؤدلج)
– ثانياً: توازي الأولويات يعمق الخسارات: الحضارات التي تبنى بدماء الإنسان هي الأثر الشاخص الذي يحاكي ألق التأريخ: السلام» الحضارة المعنوية» السامية المقدمة على كل الحضارات والتي تكشف عن جوهر الإنسانية بالوجود، «معركة الموصل اختيارا» التضحيات التي قدمها شهداء العراق في هذه المعركة وسعت من خارطة السلام ليس في العراق فحسب بل في العالم كله، وهي صورة إشراقية لايحيط بوصفها مجرد ألفاظ بل هي معنى المعنى. في مقابل ذلك يجري خلط غريب ومستهجن في الوسط الثقافي حين تفترض مقارنات تلفيقية مهلهلة بين هدم منارة الحدباء ودماء الشهداء وأولية التأثر، فليس بالضرورة من يحزن ويتأسى على نسف الدواعش لها أن يكون قد قلل أو أساء لدماء الشهداء فذلك خلط هجين يسيء إلى حضارة الإنسان والعمران معاً إذ لا قيمة لمقارنة يتقاطع طرفاها في الموضوع، مما يؤدي إلى الوقوع في فخ لامفاضلة فيه سوى أننا سنتهم من العالم الخارجي بأننا منقسمون على حواضر العراق.
– ثالثا: الاختلاف في حق الحياة: كل اختلاف محمود إلا الاختلاف في حق الإنسان بالحياة فهو اختلاف ملوث إسقاطي مستنكر، لقيمومة أصل الاختلاف عليه أي لا اختلاف قائم بلا ضمان لي في الحياة، فأول الاختلاف ألا تقصي ألا تلغي ألا تحذف، ودعني أمارس طقوسي بالحياة على سجيتي وفطرتي، فلاتنمية ولاتطور ولاتقدم حين تختلف في حقي بالحياة ، «كرار نوشي اختلافا» اختلف نفر إسقاطي من وسطنا «الثقافي» في حقه بالحياة لا عليه، فبدل أن تضمن له حق الاختلاف، وهو حي تجرأنا عليه وهو مسلوب للحياة فتضاعفت المظلومية مرتين، وهذا مؤشر خطير يكرس لثقافة استباحية مريضة، ويعزز من فكرة المصادرة والإلغاء، هذه الثقافة التي أثبت العراقيون جميعاً بعد سحقهم بؤر الإرهاب أنها ثقافة بُوْر وخراب، وأزاحوا حجب الظلام ووسعوا مساحة الإشراق؛ لذا ساقني هذا المقال إلى التنبه والتحذير من إنجرار أوساطنا الثقافية إلى مثل هذا النوع من الطائفية المريضة والحذر كل الحذر من الوقوع والتدلي بفخها ومستنقعها المظلمين.
تنويه: ليس النظام السياسي في العراق بمعزل عن أسباب نشوء المظاهر في أعلاه فالبناء المخطوء للعملية السياسية، وتراخي سطوة القانون أسهما بنحو كبير في تنامي هذه المظاهر السلبية.
محمد الواضح

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة