موسم النمل

في ساعة ملل أخذت «ريمونت «التلفاز ورحت أقلب في القنوات، وقفت عند برنامج صدمني للرائعة انسجام الغراوي على قناة الفرات، كان يبحث مشكلات المرأة التي تعمل في معامل « الطابوق «، أخذت انفاسي تتصاعد ولم اقو على الحراك من مكاني من هول ما رأيت، ففي ظل هذا الحر تتوزع أجساد ضئيلة لفتيات بعمر الزهور للعمل في تلك المعامل التي تنعدم فيها الشروط الصحية والانسانية.
فتيات لم تتجاوز أعمارهن العشرين ربيعاً انخرطن بالعمل في سن مبكرة، أغلبهن من محافظة الديوانية، جاءت مع أسرهن بعد ان قهرهن الفقر والعوز وحولهن الى اشباح ملثمة بالسواد، أغلبهن لا يملكن سوى اخ واحد اضطررن للعمل لا عانته.
يقوم اصحاب تلك المعامل بإسكانهن هن ومن جاءت معه في اكواخ كل ميزتها فيها ماء وكهرباء، اما السقوف والجدران فهي اما من قصب أو البلوك.
لا عذر يمنعهن من العمل سوى الموت الكثير منهن يتعرضن للإجهاض نتيجة صعوبة العمل.
المسؤول عنهن قال: « ان الرجال لا يتحملون العمل هنا، اما النساء فهن أكثر قدرة وتحملاً من الكثير من الرجال «
البراءة كانت هي الصفة الطاغية على جميع الفتيات اللواتي تحدثن أذ كانت الغراوي توجه لهن الاسئلة حول ما يتمنين وكانت أجابتهن موحدة «الستر والعافية «لكي يقوين على الاستمرار في العمل، وعند سؤالهن عن مدى رغبتهن في الزواج، كانت أجابتهن مفاجئة اذ أكثرهن لم يبدين اي رغبة في الزواج أو إنجاب الاطفال لكون توفير لقمة العيش هو الهم الاكبر لهن.
فتيات لم يعرفن من عمرهن سوى المشقة والتعب والشكوى هي أخر ما يمكن ان يفعلن.
لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل بانتظار اكثرهن، والمثير بالأمر انهن يعملن في الصيف لكي يجمعن قوت الشتاء «كالنمل « وهن اشبه به بلون الرداء والحجم والمشقة، الا ان النمل لديه حقوق وعليه واجبات ضمن إطار حياة منظمة خلقها الباري عز وجل، اما هن فلهن مشقة وعناء من دون حقوق، ولا حياة ولا مستقبل فهنيئاً لبلاد وحكومة يقطن بين حنايتها آلاف النساء المظلومات اللواتي لا يعرفن من الوطن سوى القهر والاستبداد من قبل المجتمع والدولة.

زينب الحسني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة