كل المجتمعات حين تخوض حروباً وانقلابات ، وتتغير فيها السلطة ، تعاني من حدة الاضطرابات والاختلافات ، وذلك لا يخفى على أحد باعتبار اننا خضنا في هذه الدوامة ، وشهدنا مثل هذه الحوادث في بلدان عربية أخرى .
الامر الذي لم يأخذ نصيبه من الفهم والاستيعاب ، ان كثيراً من المفاهيم الجديدة التي اخترقت المجتمع خلال هذه التغييرات ، لم يتم امتصاصها بنحو صحيح ، حتى يتم تطبيقها بنحو صحيح !
لذلك نجد ان المدني واللاديني والملحد واللاأدري وما الى ذلك ، هم جميعا أنصاف او لمحات مما يحاولون تمثله خلال هذه المفاهيم الجديدة ، وهذا بالضرورة طبعاً ، إذ ليس من السهولة على أي فرد ، أن يصبح بتكوين وتجهيز عقلي ومعرفي وتطبيقي مختلف ، لمجرد انه يريد ذلك ، أو لمجرد انه خاض في ذلك بضعة شهور أو بضع سنوات.
يجب أن لا ننسى ان هناك سنوات من التنشئة الإجتماعية والثقافية والدينية ، ما تزال تلاحق الأفراد ، وتمثل الجوهر في الغالب .
الطريف في هذا كله ، ان الفرد المسلم والذي تمتد ديانته الى قرون ، بما فيها من تنظيرات وتطبيقات وروايات والخ مما نعرفه ، وما يزال جاهلا في كثير من نواحي معتقده ودينه ، ولا يزال يتعرض للتشويش والتشويه والمكائد وما الى ذلك من افرازات متوقعة تمر بها كل الاديان على اختلافها . كما يفضح التاريخ تلك الهوة الشاسعة .
لذلك ان لا يكون المفهوم الفلاني ناضجاً هذا يعني ان لا تكون الفكرة مختمرةً ، وان لا يكون الظرف المحيط أرضًا خصبة ، اضافة الى كل هذا كثير من هذه المفاهيم هي ما تزال في حالة تجديد مستمر وتجديف ، لأنها لا تقع على ثوابت أبدية أو مطلقة ، كما هو الامر في الأديان . لانها اساسا هاربة من تلك المنطقة ، فكيف بها تتمثل لمثل هذه الهاوية ! ولأنها حتى في العالم الجديد هي مفاهيم مستحدثة !
لكن الفرق الأوسع هنا يكمن في ان اندلاع مثل هذه المفاهيم ، في مجتمعات خاضت الكثير من التغييرات الثقافية والاجتماعية حتى وصلت الى ما هي عليه ، هي الأكثر استعدادا وترحيبا للافكار الجديدة والمختلفة والغريبة والمنحرفة أو مايمكن ان يراه المجتمع بهذا الشكل . اضافة الى ذلك الوقت الملائم لظهور مثل هذه المفاهيم ..
مثلا ظاهرة الالحاد عندما تظهر في الغرب ، وتصبح أكثر وضوحاً وحدة وانتشاراً ، داخل مجتمع أصبحت فيه الكنيسة مجرد دين آخر او معتقد آخر من معتقدات هذا البلد الكثيرة ، لن يعاني الملحد أي لن يعاني أي فرد ينوي الاختلاف . وعلى هذا ان اسوأ وقت لظهور هذه المفاهيم دفعة واحدة وانسكابها في مجتمعنا العراقي ، هو هذه الفوضى . حيث ان كل اختلاف يقابل بالقتل والالغاء كرد فعل .
كما ان الدوافع مختلفة ، حيث ان الدافع الناتج عن قناعات عقلية ، يختلف عن الدافع الذي لا يتعدى كونه،
« رد فعل « أو حلا أمثل . وما ينتج من ممارسات لهذه المفاهيم ك ردود أفعال لا يمكن الاتكاء عليه ل آماد طويلة . ومع ذلك كل المجتمعات التي خاضت بمثل هذه الفوضى ، شهدت هذه التحولات بما فيها من متناقضات وانتكاسات وغيرها .
اذن اذا كانت كل المجتمعات تمر بهذه المراحل شئنا ام أبينا
لماذا الحديث عنها ؟
وذلك لغاية بسيطة ، حتى لا يكون هذا الاختلاف الذي يجده أصحابه قناعات مطلقة ، طريقة جديدة للانقضاض على الاطراف الاخرى ، والغائها .
لأن الأفكار نصف أو ربع مختمرة ، هي أفكار خطرة على أصحابها وعلى من حولها .
لأن الذي يسيء استعمال الأفكار العالية يسقط من خلالها .
مهند الخيكاني
فوضى المفاهيم
التعليقات مغلقة