أ- حكاية البرابرة من اليونان .. الكساندر كفافي:
«انتشرت شائعة في المدينة أن البرابرة قادمون لغزوها. انبرى المحافظ مرتدياً بزته العسكرية المرصعة بالنياشين.
وكذلك أعضاء مجلس الشيوخ والأعيان. هرعوا جميعاً إلى الحدود، حتى يكونوا في استقبالهم والترحيب بقدومهم لغزو المدينة.
انتظر المحافظ والزعماء السياسيون والأعيان، منذ الصباح الباكر حتى المساء.
لكن البرابرة لم يظهروا في الأفق.
فقال المحافظ وهو ينصرف كسيف البال:
لم يأت البرابرة. مع أن قدومهم كان حلا من الحلول.!!
ب- مسرحية:
عندما اجتاح البرابرة مدينة الموصل في حزيران 2014 كان المسرح مُعدا لعرضٍ بائسٍ لجوج عن وجود مؤامرة اقليمية ودولية مبيتة على العملية السياسية والحكومة والعراق «اكبر بكثير مما تتصورون» بهدف ارهاب الرأي العام وحمله على قبول الكذبة الجاهزة بان الهزيمة اما العصابات المغيرة، بهذا المعنى، لا تعدو عن كونها انتصارا، وبهذا فلا حاجة لتحقيق ومحققين، ولا ضرورة للمزيد من الفصول والديكورات.. ولكل مسرحية خاتمة وستارة.. وتصفيق.
جـ- الحرب والسياسة
وإذ تصل الحرب الى نهايتها وتتحول الى مطاردات أمنية لاجتثاث البؤر الارهابية فان دور السياسة يبدأ لكي يضمد ويبني ويعالج ويسد الثغرات التي تسربت منها العصابات، ويضع تصورات واستراتيجيات.
في هذا، ثمة منطق رسخته تجارب دول كثيرة تعرضت للنشاطات «الجهادية» المسلحة: الردع العسكري وحده لا يكفي لاستئصال العارض الارهابي، ولاسيما وان هذا العارض جزء من «حركة» عالمية تضرب في مناطق كثيرة في جنوب العالم يعاني سكانها، او بعض مكوناتهم، من انظمة فاسدة، ومظالم واعمال تهميش وعقاب جماعي، وتأخذ ردود الفعل في ظاهرها طابعا دينيا او طائفيا، لكنها لا تختلف في أبعادها الاجتماعية والسياسية كظاهرة اعتراض على لاعدالة النظام الدولي، كما لا تختلف في اساليب العنف والتجييش والتنكيل الاعمى بالمدنيين التي تستعملها بافراط وبنزعات اجرامية.
اغتصاب مدينة الموصل، وتحريرها، من جانب مثل تهديدا خطيرا لأمن البلاد، وجب، وفق جميع القوانين والاعراف والموجبات الدستورية، ردعه والحاق الهزيمه به، وبادواته وشعاراته، بكل ما متاح من القوى والامكانيات، وهو من جانب آخر، فصل آخر، اكثر تطورا، من فصول الاحداث التي عصفت بمناطق غرب العراق منذ اكثر من عقد من السنين، وقد جُربت الحملات العسكرية المتتالية لانهائها من دون جدوى، كما فشلت سيناريوهات التسوية السياسية الحكومية عن طريق تجنيد (وإرشاء) الاتباع، الامر الذي أعادنا، ويعيدنا الآن، الى أصل السؤال عن المسار السياسي البديل الذي ينبغي تفعيله. عناصره ورافعاته، وذلك بموازاة استخدام القوة الذي ينبغي ان يتجنب محاذير ايذاء المدنيين الابرياء.
ان الاجراءات والمعالجات والحلول السياسية والادارية والهيكلية مطلوبه وضرورية وعاجلة في حال تساعد على تقليص قاعدة اعمال العنف، وبمعنى آخر، العمل في منظومة متكاملة من المعالجات السياسية بما يعزل المتطرفين عن الجمهور الذي لا يجمعه جامع بالتطرف والعنف ومشروع الكراهية الدينية، وبالقدر الذي تنجح تلك الاجراءات في اشاعة الاطمئنان والثقة حيال نيات «المركز» بين السكان الذين ينشط المسلحون بين ظهرانيهم، فان الحل وبسط الامن والاستقرار واعادة البناء سيكون في متناول اليد.