الصراع بين القاعدة وداعش شق صفوف «الجهاديين» في العالم

صد الكتاب ملامح التنافس «الجهادي» بين تنظيمي «الدولة الإسلامية» والقاعدة في الساحل والصحراء الكبرى عبر متابعة تاريخ وجود النشاط السلفي الجهادي المسلح في المنطقة، ومراحل التَّشكُّل والتطور، ثم الانقسامات التي عرفتها بعض التنظيمات الجهادية، قبل أن تصل عدوى انقسام الجماعات الجهادية التي اجتاحت العالم وقسَّمتها إلى فسطاطين متصارعين؛ بدأ صراعهما على شرعية تَمْثِيل الحركة الجهادية العالمية، في المشرق العربي، واستقطاب أنصارها وجنودها والمؤمنين بفكرها وشرعية قتالها، ثم انتقال عدوى الصراع والتنافس إلى منطقة الصحراء الكبرى وشمال وغرب إفريقيا.
فقد ظلت هذه المنطقة، أي الساحل والصحراء الكبرى، طيلة العقدين الماضيين مجالًا حيويًّا لنشاط وتنامي حركات جهادية ترى نفسها جزءًا من تنظيم القاعدة وتدين له بالولاء، حتى جاءت مرحلة الانقسام الكبرى عشية ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» سنة 2013، ومنازعته لقيادة القاعدة، في زعامة الحركة الجهادية العالمية؛ حيث شكَّل إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية» لـ»الخلافة الراشدة» زلزالًا ضرب مختلف الساحات «الجهادية»، وأعاد تشكيل خريطة الجماعات ذات التوجه السلفي القتالي، وصلت توابعه إلى منطقة الساحل والصحراء الكبرى؛ حيث عرفت بعض التنظيمات فيها انقسامات داخلية على أساس الولاء كما حصل مع جماعة «المرابطون»، والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في الجزائر، بينما أعلنت تنظيمات أخرى نفض اليد من بيعة تنظيم القاعدة، والولاء لـ»الدولة الإسلامية» كما حصل مع جماعة «أهل السُّنَّة للدعوة والجهاد» في نيجيريا (بوكو حرام)، ووصل الأمر حدَّ الاقتتال في ليبيا والتراشق الإعلامي في تونس، والقطيعة الحذرة في شمال مالي.
ويسعى هذا الكتاب، «التنافس بين القاعدة وتنظيم الدولة في الساحل والصحراء» في صيرورة هذا التنافس بين التنظيمين ودينامياته ومآلاته، والأطراف الفاعلة فيه والأخرى الثانوية، معتمدًا في جزء كبير منه على معلومات جمعها المُؤَلِّف محمد محمود أبو المعالي خلال سبعة أعوام من البحث والدراسة، تخلَّلتها رحلة بحث وتحقيق قام بها إلى صحراء أَزَوَادْ في شمال مالي في النصف الثاني من شهر إبريل/نيسان والنصف الأول من شهر مايو/أيار عام 2012، تمكَّن خلالها من جمع كثير من المعلومات عبر مقابلات ولقاءات وجلسات مع قادة الجماعات الارهابية المسلحة وسكان المنطقة.
وقد اعتمد المُؤَلِّف في الكتاب على السرد المتدفِّق للمعلومات المتعلقة بتاريخ هذه الجماعات الاجرامية، مع مقاربة تسعى إلى فهم الإطار الزماني والمكاني للأحداث التي يتناولها الكتاب، وعلاقات الاتساق ومحطات التنافر بين الأطراف الفاعلة في صناعة الأحداث الـمُؤَصِّلَة للإشكاليات الكبرى التي يطرحها الكتاب، كما تنحو تلك المقاربة إلى محاولة فهم علاقة الجماعات الجهادية على اختلاف ولاءاتها بالمحيط الاجتماعي والجغرافي الذي يحتضنها، والعلاقات البينية لفرقائها وما تخلَّلها من مدٍّ وجَزْرٍ, وهو ما تطلَّب استدرار سنوات عديدة من البحث والتحري للتغلب على جملة صعاب واجهت المُؤَلِّف منذ البداية، أولها الغياب شبه التام للمصادر والمراجع، والاعتماد على السعي المستمر والمحاولات الحثيثة لاستنطاق الأحداث الميدانية والشهود والفاعلين الميدانيين، من قادة وعناصر تلك الجماعات وشركائهم في الأرض.
كما أن الكتاب في بابه الثاني يُشكِّل إعادة لصياغة كتاب «القاعدة وحلفاؤها في أزواد: النشأة وأسرار التوسع» الذي ألَّفه الباحث سابقًا وأصدره مركز الجزيرة للدراسات عام 2014، لكنَّ أحداثًا متلاحقة عرفتها المنطقة دفعت به إلى محاولة إعادة صياغته وتنقيحه، وإضافة مستجدات له، بينها فصل كامل يتعلق بجماعة بوكو حرام، فضلًا عن بعض الأحداث والتطورات التي مسَّت مختلف مستويات الكتاب وفصوله وعناوينه، مع إضافة معلومات تتعلق بتاريخ أحداث تضمنها الكتاب السابق، لكن مقتضيات البحث والتحري والتدقيق أجَّلت ظهورها في النسخة الأولى.
ويتألَّف الكتاب من بابين، الأول منهما يحمل عنوان «تنظيم الدولة الإسلامية وفتح إفريقيا»، ويَضُمُّ ثلاثة فصول، وقد خُصِّص للحديث عن تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ حيث أَفْرَدَ الباحث الفصل الأول لمتابعة ميلاد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قبل أن ينشقَّ عن تنظيم القاعدة ويُعْلِن الخلافة الإسلامية، ويعالج هذا الفصل مراحلَ تَشَكُّلِ التنظيم، وأسباب خلافه مع قيادة تنظيم القاعدة في «بلاد خراسان»، ومواجهاته المسلحة مع «جبهة النصرة» قبل انفصالها تنظيميًّا عن القاعدة.
لكن معلقون على الكتاب انتقدوا مؤلفه، على الرغم من المعلومات المهمة التي يتضمنها، لأنه لم يتطرق الى الدول والاحزاب الدينية التي وقفت وراء تشكيل تنظيمات الارهابيين ودعمها ماليا واعلاميا ولوجستيا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة