النقود البغدادية في زمن الدولة العباسية

طارق حرب
لقد كان الدرهم والدينار هما النقدان الاساسيان اللذان تم التبادل والتعامل والتقدير بهما في زمن الدولة العباسية ، ذلك ان بداية ظهور الدولة الاسلامية كان يتم التعامل على اساس الدراهم الفارسية والدنانير الرومية وفي زمن عمر بن الخطاب حدد الدرهم الشرعي وضرب عثمان الدراهم ولكن الاصلاح النقدي حصل على يد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان واستهل العباسيون حكمهم بأن نقلوا دار ضرب الدراهم الى الانبار جنوب غرب بغداد ،واذا كان الخليفة ابو العباس السفاح أنقص وزن الدرهم حبتين فأن باني بغداد ابو جعفر المنصور أنقص وزن الدرهم ثلاث حبات لاعتبارات اقتصادية وقد تم نقش آيات على الدينار اشارة لحق العباسيين في الخلافة اذ وضعوا الآية( وقل لا اسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى) إظهارا لقرابتهم للرسول .
وفي زمن الخليفة المهدي ضرب سكة مدورة فيها نقطة ويعد هذا للخليفة اول خليفه عباسي في بغداد ظهر اسمه على الدراهم وكان الخليفة الامين اول خليفة عباسي ورد اسمه الى العملة الذهبية ويرى بعض المؤرخين ان الوزير جعفر بن يحيى البرمكي منحه الخليفة الرشيد صلاحية الاشراف على سك النقود ولقد خول الخلفاء العباسيين بعض الولاة ضرب الدراهم التي كانت تحمل اسماءهم في اقاليمهم.
وكان كثير من الخلفاء الراشدين يشرفون بصورة مباشرة على دور ضرب النقود لضبط وزن النقود وليبعدوا احتمالات الغش والتزييف وان جعل الرشيد هذه المهمة الى جعفر البرمكي.
وضربت في عهد الرشيد دنانير زنة كل دينار منها مائة مثقال كان يفرقها على الناس في عيد النوروز والمهرجانات ،وقد ظهرت نقود جديده ذات وزن كبير في بغداد وكان الغرض من ضربها دوافع سياسيه لخلفاء بغداد لتحقيق امجاد شخصية بوضع اسم خليفة بغداد على هذه النقود وكان لخلفاء بغداد دنانير الخريطة وهي مائة دينار فيها مائتان مكتوب على كل دينار عبارة( ضرب الحسنى لخريطة امير المؤمنين) ، وغالبًا ما يتم منح خليفة بغداد هذه النقود الى المغنين والشعراء وبعد مقتل جعفر البرمكي تولى قائد شرطة الرشيد الاشراف على سك النقود وفي زمن الامين خولت هذه الصلاحية الى العباس بن فضل بن الربيع وفي زمن الامين كانت النقود باسمه في بغداد بالرغم من ان القسم الشرقي خاضع للمأمون وتضرب العملة باسمه.
وظهر على نقود المأمون في بغداد بعد مقتل الامين نقش ذو الرياستين وزيره الفضل بن سهل وقائده طاهر.
وكانت قبيحة ام الخليفة المعتز قد تقدمت بضرب نقود مكتوب عليها (بركة من الله لأعذار ابي عبد الله المعتز بالله)، وفي عهد الخليفة المكتفي بالله نقش اسم وزيره ولي الدولة على النقود وفي زمن الخليفة المقتدر في بغداد وضع اسم ولد الخليفة على النقود.
كما ان الوزير عميد الدولة الحسين بن القاسم قد وضع اسمه على النقود وعام ٣٣٠ هجرية ، اصبح امير الامراء الحسن بن عبد الله معنيا بأمر النقود في بغداد وزاد على الدينار بذكر عبارة( صلى الله عليه وسلم) وفي عام٣٣١ هجرية ان ناصر الدولة ضرب دنانير باسم الابريزية بيع الدينار منها بثلاثة عشر درهما بعد ان كان عشرة وفي عام٣٣٤ هجرية دخل بني بويه الى بغداد فأمر الخليفة المستكفي ان تضرب القاب بنو بويه واسماؤهم على الدنانير والدراهم وكانت اسواق بغداد يكثر فيها التعامل بالدرهم وتدلل قوائم الخراج التي يتم دفعها للدولة على انها تقبل مبالغ الخراج بالدرهم والدينار ولم يكن سعر الصرف ثابتا ،وانما كان يتعرض لتقلبات السوق حتى ان سعر صرف الدينار وصل الى اربعة عشر درهما ً او اكثر وكان التعامل بأسواق بغداد بالدينار الذهبي انشط من التعامل بالدينار الفضي لان طبيعة الذهب تتحمل الخرن اكثر من الفضة وبهذا اصبحت ظاهرة خرن النقود الذهبية سمة من سمات القرن الرابع الهجري وكان التعامل يجري في اسواق بغداد بجميع النقود التي ضربا في كل اقاليم الدولة العباسية حيث ترد كميات كبيرة عن طريق الضرائب المختلفة كالخراج والجزية والاعشار والمكوس والضمانات واذا كانت النقود التي يتم ضربها في الاقاليم استهدفت التعامل داخل الاقاليم لكن ذلك لم يمنع ان ينقلها التجار والمسافرون الى بغداد.
وظهرت في اسواق بغداد دراهم ودنانير تقدر بأكثر من قيمة نظائرها من النقود العادية المتداولة لمناسبات خاصة فسميت بنقود الصلات وهذه الدراهم والدنانير كان يجري التعامل فيها بأسواق بغداد وتداولت في اسواق بغداد دراهم بهرجة التي يكثر فيها نسبة المعدن الرخيصات ودراهم خرسانية وهي من الانواع الرديئة
وظهرت في بغداد نقود سكها ولاة او قاده لم يمنحهم الخليفة سلطة السك عندما استغلوا فترات الاضطراب في بغداد مما يترتب عليه ان خليفة بغداد يبطل التعامل بالنقود التي ضربت من دون موافقته ولتسهيل التعامل بالنقود ضربت قطع نقدية تمثل جزاء الدينار والدرهم واذا كانت النقود غير كاملة الوزن فإنها تقبل وزنا وليس عددًا ذلك ان الدولة العباسية كانت شديدة الحرص على الاحتفاظ بسلامة العملة وجودتها فالدينار كان يضرب بكل دقة وفقاً لمعيار المثقال والدراهم فقد تم اتخاذ ما يلزم لتخليص الفضة من كل شائبة وبذلك حافظت الدولة في بغداد على سلامة نقدها ولكن ذلك لا ينفي تعرض النقد للتزييف حتى ان الدولة تضرب دنانير رديئة كما حصل عام٣٢٧ هجرية ، كما ان سوء التعامل يفسح المجال احياناً لتزييف النقود واهتمت الدولة بإقامة دور الضرب في المدن الكبرى ،وكانت ادارتها من الوظائف الشرعية حيث تقوم بسك ما يقدمه الافراد اليها من سبائك نظير رسوم حتى بلغت واردات دور الضرب في بغداد عام ٣٠٦ هجرية مبالغ كثيره وحتى عند انتقال الخلافة الى سامراء استمر ضرب النقود في بغداد وكان متولي دار الضرب يتولى ادارة دار الضرب ،وهنالك ايضاً المشارف الموكل اليه حفظ محتويات دار الضرب مما يدلل على ان سك النقود في بغداد يماثل ما هو عليه في دور الضرب الحديثة .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة