قلوب عليلة وضمائر ميتة

بعد سلسلة من الهزائم على شتى الجبهات المادية والقيمية، انحدرت مكانة الرأسمال الأثمن (الإنسان) في هذا الوطن القديم، الى الدرك الأسفل بوصفه الأكثر رخصاً بين الأشياء، وهذا ما نعيشه يومياً من مشاهد الموت المجاني والبخس، لا من خلال الأعمال والأنشطة الإجرامية والإرهابية وحسب، بل فيما يفترض أنها الملاذات الأخيرة للمنهكين والمتعبين صحياً، أي المستشفيات والمراكز الصحية والمطبات الخصوصية للمتخصصين بمهنة الطب. كما هي المهن الأخرى لم تسلم المهن الطبية من وباء الشراهة وهشاشة القيم الأخلاقية، لكن خصوصية هذه المهنة وخطورتها، أنها تتعاطى مع شريحة من البشر هي بأمس الحاجة الى العناية والاهتمام الإنساني، بفعل معاناتها من المرض وأعراضه وتداعياته الجسدية والنفسية. لذلك فهي بأمس الحاجة الى بذل جهد استثنائي من قبل أصحاب القرار والنفوذ في الدولة والمجتمع، لما لحق بها من تدهور على شتى الأصعدة، وهذا ما أشارت له الكثير من التقارير والتحقيقات الصحفية والإعلامية من الحقائق التي لا تليق بهذه المهنة، والتي يطلق على من يمارسها بـ (الحكيم).
هذه المرة لا نريد التطرق الى الواقع المزري لغير القليل من تلك المراكز والمستشفيات، بل سنركز على جزء بسيط يتعلق بأقسام الطوارئ ولا سيما ما يتعلق منها بحالة النوبات القلبية، إذ تمر الكثير من تلك الحالات على الطبيب المقيم (غالبا يكون غير متخصص ومن المتدربين الجدد) ليعود المريض الى بيته، بعد أن يخفق “الحكيم” بتشخيص الحالة؛ ليواجه لاحقاً نوبة أشد وغالباً ما تكون قاتلة، وبالنسبة لي شخصياً فقد عشت مثل هذه التجربة والتي تركت آثاراً قاسية على صحتي. ومن الأهمية بمكان الإشارة الى أن مثل هذه الحالات المأساوية لا تحدث في المراكز المتخصصة بأمراض القلب، بل في أقسام الطوارئ والتي تفتقد غالباً للأطباء المخضرمين والمتخصصين في أمراض القلب والشرايين. لا أملك إحصائية وبيانات عن عدد ضحايا أمراض القلب لدينا، لكنها من دون شك كبيرة، وغير القليل منهم، قد فقدوا حياتهم لتلك الأسباب التي أشرنا إليها، وكان يمكن أن يتجنبوا ذلك الرحيل المجاني، فيما لو حظوا بطبيب مقيم مؤهل لمهمة استقبال مرضى قسم الطوارئ.
ليس هناك أدنى شك من وجود غير القليل من الأطباء والعاملين في هذا المجال، من الذين يكرسون كل مواهبهم وإمكاناتهم لخدمة المرضى والمراجعين المحتاجين لقدراتهم، لكن هناك أيضاً من تسلل لهذه المهنة لغايات ومقاصد أخرى، لذلك نجدهم غير قادرين على الإحساس بآلام وحاجة الآخرين ممن ابتلوا بالأوجاع والعلل والأمراض. ومما يحز بالنفس أن أخطاء التشخيص غير مقتصرة على الأطباء الناشئين وعديمي الكفاءة وحسب، بل يشمل أيضاً البعض من أصحاب الشهرة والتخصص الطويل والعريض، وذلك للعدد الكبير الذي يستقبله يومياً، والذي لا يسمح له بتخصيص الوقت الكافي للمعاينة والكشف الدقيق للحالة المرضية. من المعروف عن الأمراض بنحوٍ عام وأمراض القلب بنحوٍ خاص؛ أنها ترتبط بشكل وثيق بالحالة النفسية، وهي لدى العراقيين في تدهور مستمر، وهذا ما أشارت إليه التقارير الأممية والتي وضعتهم على رأس قائمة الشعوب الأكثر غضباً في العالم، بفعل شروط الحياة السيئة والقاسية التي يعيشونها، وهذا ما يجب أن يعيره العاملون في مجال الطب ما يستحقه من الرعاية والاهتمام.
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة