“الدواعش حطموا مدينتي والكل بات يكرهنا”
نينوى ـ خدر خلات:
ياسر فارس، شاب موصلي يبلغ 27 عاما، كان يقطن بحي المثنى بالجانب الايسر من مدينته التي نزح منها في مطلع شهر ايلول من عام 2014، يعمل بمحل لصيانة اجهزة الحاسوب اللوحية والمكتبية في احد اسواق مدينة دهوك، التقيناه صدفة لتصليح “جهاز اللابتوب” خاصتنا.
عندما علم انني صحفي من ناحية بعشيقة سألني “هل اهالي بعشيقة يكرهون المواصلة (الموصليين)؟ قلت له “نحن نكره كل من انتمى الى داعش وبايعهم واسهم باعمال القتل والذبح والسبي والسرقة، سواء كان من مدينة الموصل او من اطرافها”.
قال “يا اخي، ليس كل اهل الموصل دواعش وليس كل اهل الاطراف دواعش ايضا.. عدد الدواعش لا يذكر قياسا بعدد سكان محافظة نينوى البالغ 3 مليون نسمة”.
قاطعته “نحو نصف سكان محافظة نينوى هم من الاقليات من الايزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان (الشيعة) وغيرهم”.. فقاطعني “والله يا عزيزي (الدواعش سودوا وجهنا) ولساننا بات قصيرا بسبب افعالهم القذرة.. لكن لا تنسون اننا ايضا نازحون، برغم انه لم يصيبنا عُشر ما اصابكم، واقصد انتم الايزيديين”.
كي اغيّر الموضوع جزئيا، سألته “الا تشتاق للموصل وجيرانك واهلك؟ الا تفكر بالعودة للمدينة التي ولدت فيها ودرست في مدارسها؟”.
فردّ بالقول وهو يتنهد بحسرة “بلا شك انا اتابع اخبار الموصل يوميا، وخاصة مع انطلاق عمليات التحرير، وبعد تحرير الجانب الايسر بالكامل، بدأت اتصل بعدد من الاصدقاء في منطقتي بحي المثنى ومناطق مجاورة ومحررة ايضا، وانا محتار لحد اليوم بين العودة النهائية والاستقرار في المدينة، او بين الرحيل عن العراق باكمله والبدء بحياتي في اية دولة اوروبية قد تقبل بي”.
وتابع ياسر القول “الاجوبة التي تصلني من اصدقائي متناقضة، فهنالك من يقول ان الحياة بدأت تعود تدريجيا والمحال التجارية تفتح ابوابها وهنالك حركة في الاسواق ومتبضعين والامن جيد جدا بل هو افضل من قبل سقوط المدينة بيد داعش مع عودة الخدمات الرئيسة كالماء والكهرباء والانترنت وغيرها، واخرون يقولون ان الموصل باتت خرابة وعودة الحياة اليها صعبة جدا مع انتشار عصابات للسرقة والسطو، واخرين ينصحوني بعدم العودة اطلاقا ويقولون ان الايسر (مليان) دواعش ويسرحون ويمرحون وليس مستبعدا ان يعيدوا تنظيم انفسهم للبدء بجولة اخرى من الخراب والارهاب ما لم يكن هناك اجراءات بحقهم”.
ودعا ياسر “الاعلاميين الموصليين الى تسليط الضوء على مسائل اخرى في المدينة، مثل كيفية اعادة التماسك الاجتماعي بين الجيران، وهل من الممكن ان يتعايش المواطن الموصلي اسوة بالسابق مع جاره الشيعي التركماني او المسيحي؟ بل هل سيشعر ابناء الاقليات بالامن والامان عند ذهابهم للموصل للتسوق او لمراجعة طبيب مثلا؟؟ هذه المسائل ينبغي ان يتم الاهتمام بها من قبلكم كاعلاميين”.
وهنا سألته “هل تستطيع ان تعيش ببلدة ايزيدية او مسيحية او شبكية سكانها من الشيعة مثلا”؟
قال “بصراحة لا اعتقد انهم سيقبلون بي وانا العربي السني.. لان داعش بجرائمهم البشعة جعلوا الجميع يكرهوننا ولا يثقون بنا.. علما ان الدواعش هم من حطم مدينتي وحطم معها ذكرياتنا وحياتنا البسيطة وخسرنا الجيران والاهل والاحبة، لقد حاولوا اعادة مدينتنا الى القرون الوسطى، والمشكلة انهم بذروا افكارهم المتطرفة في عقول الكثيرين من ابناء المدينة وخاصة الاطفال، ولهذا اعتقد ان مستقبل المدينة يلفه الغموض”.
ويرى ياسر ان “عودة الحياة الطبيعية للموصل ممكن شريطة محاربة الفساد مثل محاربة داعش والافكار الارهابية، والبدء باعمار المدينة والانسان ايضا في عموم محافظة نينوى”.
وحول موقفه من مقولة “انا اش عليي ـ بمعنى الامر لا يعنيني انا؟” التي يطلقها البعض ويقولون انها سبب خراب الموصل، قال وهو يبتسم “الاقوال لا تسقط المدن بل الافعال، وهذه الجملة ربما تشير الى ان الموصلي انسان مسالم يريد ان يتجنب المشكلات، لكن اعتقد ان مستقبل المدينة يهم الجميع، واذا اردنا العيش فيها بامان يجب ان يتم الغاء هذه العبارة من قاموس الموصليين، والتعاون مع الاجهزة الامنية وكشف الدواعش ومناصريهم وعدم القبول بدفع الاتاوات لهم”.