عندما كنا صغاراً نحمل بين طيات قلوبنا الفتية عشرات الخفقات الصادقة وتمتلىء جيوب معاطفنا وحتى تحت جواربنا الأماني بأن نكبر ويكلل عشقنا لاصحاب الشعر الأبيض ( الأشيب) بخصلاته القوية المسدلة كستائر الليل ويمتد بذراعيه الى ما لانهاية ونراه يحتضن ضوء القمر وهو ينشر على صفحات الماء في دجلة الخالد .
كانت الأماني الكبيرة تكبرنا وتزحف لتتعدى الأرقام التي تتكون منها أعمارنا الصغيرة وهي كمن يريد أن يكون كبيراً على الرغم مما يلقاه من صفعات شديدة الوقع من والديه على خطاْ نرتكبه بقصد أو من دون قصد وكنا نعتقد أن باب الله سيبقى لنا مشرعاً لتحقيق الأماني والأحلام والتطلعات التي ستكون هي عنوان المجد التليد الذي يجعل منا عناصر قوية الأرادة والتصميم والعزم في بناء المستقبل وخلق الأمتداد الروحي والعقلي والبدني للكثير ممن نعشقهم حتى وأن كانوا من الممثلين أو الكتاب أو الشعراء أو الأعلام .
ولكن سرعان ما تهاوت تلك الأحلام رافقتها سني العمر السنة تلو السنة وبات العمر على الأعتاب يجر قافلة من خيبات الأمل وكومة من بقايا حطامات خلفتها فؤوس الحطابين بين الأحراش والبساتين ولم تشفق أو تشفع لها الأعوام التي تخطت السبعين ونيفا وحاصرتها الأشواك في رياض ميت يضم ثمار لامذاق لها غير المر العلقم وأغصان صارت مأوى للغربان السود وخفافيش الليل .
وما زلنا نمني النفس بأن الله سيفتح باباً كنا من شدة اليأس والمرارة نحسبه سيبقى مغلقاً ولا يفتح الى الأبد ، ومافتىء السؤال نفسه ينام يابساً على شفاهنا الذابلة …. أين ذهب ذلك الحب الحب الكبير الذي مزق القلوب وتوغل في أعماقها وعاث في خفقاتها وجعلها قلوبا ميتة لاتنبض الأ بالأسى والذبول وتقتلها الحيرة.
وماذا بعد لنا بعد ان غادرنا قطار العمر الفتي الى مدن لانعرف اسمائها أو محطاتها ولم يعد بوسعنا أن نلوك مرارة مايجوس في نفوسنا من ألم وخيبة وحسرة ونحن نسمع عويله الذي تترجمه الروح بأنه الحزن الكبير الذي لم يفارقنا لحظة وعلى مدى ماعشناه من أيام وليال مازلنا نحلم فيها بشمس يوم جديد لاتحمل سماؤه الغيوم .
مشرقة تبقى هي الأحلام حتى وأن كانت مجرد خيال واسع يمتد بنا الى الآفاق البعيدة حيث الأمل المنشود الذي رأيناه في من أوهمنا بأنه هو المنقذ لما بقي من العمر حتى وان كان لايستحق أن يحلم المرء فيه بغد مشرق أو مستقبل زاهر كما يسمونه ويخدعون الخلق بأوصافه وجناته المخادعة.
محمود خيون
على باب الله
التعليقات مغلقة