مع التأكيد على عدم الاكتفاء بمحاربة الإرهاب
بول براندوس
ترجمة: حسين محسن
الآن نستطيع أن نعرف كيف كان الحال في الولايات المتحدة في أوائل خمسينيات القرن الماضي، عندما حذر السيناتور جو مكارثي في ذلك الوقت من «الخطر الأحمر»، قائلاً أن الشيوعيين موجودون في كل مكان، و يتسللون إلى كل شيء، و يوهنون بلادنا من الداخل، وفي النهاية، سادت الفطرة السليمة. وتم إهمال تصريحات مكارثي حيث كان مسيطراً عليه من قبل مجلس الشيوخ، ثم تلاشى في غياهب النسيان وكان ميتاً في غضون ثلاث سنوات، و قد أثبت التاريخ أيضاً أنه كان خاطئاً.
و بالمقارنة بوقتنا هذا، نبدل السيناتور جوزيف مكارثي بالرئيس دونالد ترامب، و نبدل الشيوعيين بالمسلمين، لقد حصلت أميركا على مخادع آخر يستغل مخاوف الشارع الأميركي من أجل تحقيق مكاسبه السياسية، لكن هذه المرة هو القائد العام الذي لديه مكبر هائل لنشر تصريحاته المجنونة مثل، المسلمين في كل مكان، و يحاولون عبور الحدود و يتسللون إلى كل شيء، و إنهم يوهنون بلادنا من الداخل.
و أستمر جزء من الشعب الأميركي و بعض الشخصيات السياسية و الاجتماعية و المؤسسات بمقارعة ترامب و سياساته تجاه المسلمين و تركيزه على تضييق الخناق عليهم و لومهم على الهجمات الإرهابية، لكن موقع ترامب يختلف عن موقع مكارثي و لا نعلم إذا كانت تصريحاته ستهمل و سيثبت الوقت أيضاً انه ليس على حق.
بالطبع كانت هناك تهديدات كثيرة قاتلة من الداخل خلال عهد مكارثي، لكنها لم تكن صادرة من الشيوعيين. بل كانت لها مسببات داخلية تم إهمالها، وفي ذروة قوة مكارثي من 1950 إلى 1954، على سبيل المثال، يقتل ما يصل إلى 1900 أميركي كل عام بشلل الأطفال. وكثير منهم من الأطفال. وقد تضاعف عدد الشعب الأميركي منذ ذلك الحين، ما يعني أن العدد قد أرتفع إلى 3،800 شخص في السنة (73 في الأسبوع). إلا إذا كنا على قيد الحياة في ذلك الوقت، فإنه من الصعب أن نتصور كيف كان الأمر مخيفاً.
و يذكر ان الهجوم الذي وقع يوم الأربعاء الماضي و الذي إستهدف أعضاء كونغرس جمهوريين في أثناء ممارسة مجموعة من أعضاء الكونغرس لرياضة البيسبول كان بمنزلة تذكير بوجود تهديد داخلي آخر، ففي 2014، قتل أكثر من 11،008 مواطن أميركي في جرائم إطلاق نار. و وقعت أغلبها في المدارس الثانوية و الجامعات و من المؤكد أن الحكومة الأميركية كانت ستصنف هذا التهديد على أنه تهديد قومي ضخم لو كان القتلة «إرهابيين إسلاميين متطرفين»، لكنها لا تقول ذلك تجاه هذه الهجومات لأنها ستلحق الضرر بنفسها.
وفيما يلي الجزء الذي يقول فيه الناس إن الإرهاب لا يمثل باقي المسلمين، ومع ذلك، فإن الإحتمالات الإحصائية هي الأمر الذي ينبغي أن نحسبه، ففرصة الموت في هجوم إرهابي صغيرة جداً مقارنةً بالجرائم المهملة الأخرى، فلماذا يقلق المواطنين ذلك إذا كان لديهم إحتمال أكبر بكثير بالتعرض للقتل على يد شخص ثملاً أو يحمل هاتفاً في أثناء القيادة أو بندقية، أليس من المنطقي التركيز على ذلك – و التصرف الأكثر عقلانية هو أن يتم التركيز على التهديد ذو الإحصائية الأكثر بعدد القتلى و الجرحى؟ و هذا سؤال يطرح على الحكومة الأميركية ما إذا كانت ستستعمل العقل أم العاطفة في حل هكذا أمور.
ويمكن أيضا تقييم التهديدات الأمنية بطرق أخرى. حيث إن قيام إرهابي باستهداف مدنيين بشاحنة أو ما شاكل ذلك هو خطر واضح و متواجد يجب القضاء عليه فوراً. ولكن هناك تهديدات أخرى يمكن أن تلحق ضرراً أكبر بأمن الولايات المتحدة، وإن كان ذلك على المدى البعيد. على سبيل المثال، تقول منظمة «إنقاذ الطفولة» في تقرير لها الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة، بطبيعة الحال، تحتل المرتبة 36 في العالم من حيث تربية الأطفال في بيئة آمنة وصحية وإعدادهم للمستقبل.
و قد يتساءل البعض، ما علاقة الأطفال و تربيتهم بالأمن القومي الأميركي؟
في الحقيقة، هذا الأمر له علاقة كبيرة و تأثير واسع في صميم الأمن القومي لأي دولة، لو فقط قمنا بتوسيع تعريفنا لماهية التهديد. فإن تربية الأطفال بنحو صحيح و رعاية الدولة لهم و تحضيرهم للمستقبل تعزز الأمن القومي و تنتج جيلاً رصيناً و واعياً، و على العكس فأن إهمال الأطفال سيؤدي حتماً إلى إنتاج جيل يشكل خطراً على الأمن، و على المجتمع ان يتحمل تبعات هذا الإهمال حين ينمو هذا الجيل.
وفي إطار تخويف الشعب الأميركي نعود إلى ترامب ومكارثي.
كان مكارثي شخص منغلق العقل بائع متجول للخوف. ولكن موقع ترامب يجعله تهديداً أسوء. ويقول إن الأمن القومي هو على رأس أولوياته – لكنه اقترح خفض الإنفاق على عشرات البرامج التي تجعل أميركا أقوى وأكثر أمناً. على سبيل المثال: تخفيض الإنفاق على برامج ما بعد المدرسة التي تساعد الأطفال الفقراء والبحوث الطبية الحيوية التي يقول الأطباء يمكن أن تبطئ تطوير العلاجات للسرطان وغيرها من الأمراض القاتلة.
وهناك أمثلة أخرى لا حصر لها على هذا النوع من قصر النظر. هل هذا يجعل أميركا أقوى أم أضعف؟ الأمن القومي هو أكثر من مجرد ضرب الإرهابيين.