المعارض السوري ميشيل كيلو في حوار مع «الصباح الجديد« :
يوجعني الوضع في سوريا كما يوجعني ما يحصل للعراق، ربما لأنها الأقرب، واحتضنت المئات من المعارضة العراقية في الثمانينيات، ربما لأنني في زياراتي القصيرة لدمشق وجدت فيها شقيقة لبغداد من خلال طيبة أهلها وكرمهم،و دفء المشاعر هناك.
والشعوب مثل قادتها لا تتعلم من تجارب غيرها فمنهم مخدوع ومنهم مقموع فالقادة ممن غلبهم الغرور وحاشية لا هم لها سوى المال وبعيدة عن الوطن والشعب، يكررون الجرائم نفسها والأخطاء نفسها، ومنهم من تأخذه العزة بالاثم فلا يتراجعون عن خطط لا تجلب إلا البلاء لهم ولكراسيهم وللأوطان.
الشارقة ـ ابتسام يوسف الطاهر:
يوجعني الوضع في سوريا كما يوجعني ما يحصل للعراق، ربما لأنها الأقرب، واحتضنت المئات من المعارضة العراقية في الثمانينيات، ربما لأنني في زياراتي القصيرة لدمشق وجدت فيها شقيقة لبغداد من خلال طيبة اهلها وكرمهم،و دفء المشاعر هناك.
والشعوب مثل قادتها لا تتعلم من تجارب غيرها فمنهم مخدوع ومنهم مقموع فالقادة ممن غلبهم الغرور وحاشية لاهم لها سوى المال وبعيدة عن الوطن والشعب، يكررون الجرائم نفسها والاخطاء نفسها، ومنهم من تأخذه العزة بالاثم فلا يتراجعون عن خطط لا تجلب الا البلاء لهم ولكراسيهم وللأوطان.
ترعبني مشاهد المدن وهي تدك على يد ابنائها من كلا الطرفين، وبلا رمشة ضمير. تؤلمني رؤية المشردين في الخيام على حدود تركيا والاردن فتعيد مشاهد ابناء يوغسلافيا في التسعينيات ومعاناتهم، والعراقيون ومأساة تشردهم على حدود تركيا وايران والاردن وغيرها من دول اعتاشت على مصائب هؤلاء! الذين لم يطالبوا بغير الحرية فاذا بهم يقمعون، وتسرق منهم الراية من قبل الحاقدين على البلاد والعباد ويتحول الصراع الى حرب طوائف لتقتل الأمل بالحرية!
ميشيل كيلو أحد رموز المعارضة المعتدلة والذي تعرض للقمع والسجن والتنكيل والحرب النفسية كغيره من اليساريين الوطنيين. ما ان سمعت بوجوده في الامارات حتى سارعت لمخاطبته لإجراء حوار معه..فاستجاب مشكورا فكان لي معه هذا الحوار الصادق والموجوع.
لم نطالب بأكثر من الحرية
ميشيل كيلو، شكرا لقبولك اللقاء. فمنطلقي الأول هو حب سوريا ورفض مايجري لها الان. سؤالي الأول عن وثيقة أو اعلان بيروت- دمشق، والذي طالبتم فيه بتحسين العلاقات مع بيروت بعد التدهور الذي طال تلك العلاقة أثر اغتيال الحريري، هل كان ذلك المطلب الوحيد؟ وما قصة الاكاذيب التي احتوتها تلك الوثيقة؟
شكرا لك وانا سعيد بالحوار وقد صرنا في مركب واحد.. لنتحدث عن البدايات.. في السبعينيات عندما انقسم الحزب الشيوعي الى قسمين، كنت طرفا فاعلا في بناء قرار مستقل للحزب الشيوعي بنحو خاص والتخلص من التبعية للاتحاد السوفيتي، ورؤية الواقع بعيون ماركسية عربية تلائم وضعنا ومجتمعنا، وكنا نطالب بالديمقراطية ليس كشعار، بل كقضية فكرية، وبرنامج تاريخي متكامل، مؤسس على فكرة الديمقراطية، ثم انفصلنا كمثقفين عن الأحزاب، واتفقنا على تشكيل حركة ثقافية سياسية، تعيد قراءة الواقع السوري السياسي، انطلاقا من فكرة جوهرية تقول أن الحرية هي التعريف الوحيد للتعبير عن الذات الانسانية. فارسطو يقول «الإنسان ذات حرة، وجديرة بالحرية بغض النظر عن أي تعيين اخر».. إذن الحرية هي القضية الاساسية في السياسة. فهي شأن خاص لكل مواطن وذات شأن عام.
الوثيقة المعنية او الاعلان سميت (وثيقة الالف) حيث وقعها اكثر من الف شخص، وأحدثت ضجة ومنها بدأ ربيع دمشق في 2001 ومن ثم اطلقنا اعلان دمشق لتوحيد اطياف المعارضة، على المطلب نفسه (الحرية) عام 2005، والتي وافق عليها الجميع من اقصى اليمين الى اقصى اليسار.. بغض النظر عن برامجهم، واتفق الجميع للعمل مع بعضهم لتطبيق اعلان دمشق. ثم جاء اعلان بيروت-دمشق، دمشق-بيروت في آيار 2006، فنحن ابتدعنا فكرة الإعلانات، وبعدها بيوم اعتقلت وتعرضت للتعذيب.
هل تعرضت للتعذيب كما هو الحال في الثمانينيات؟
بلى في الثمانينيات تعرضت للتعذيب الجسدي والنفسي. وقتها لم يشعر بنا أحد. لكن في 2006 اختلف الأمر فلم أتعرض للتعذيب، ولكن سجنت مع عتاة المجرمين، ثم وضعوني مع الموظفين من مرتكبي جرائم الفساد المالي والاداري ومع السراق، المؤلم أني لاحظت أن هناك من تعرض للإعتقال والسجن من الناس البسطاء، الذين لم يكن خيارهم النضال ولا المعارضة، فأنا اخترت ذلك الطريق، اما هم فقد تعرضوا للتعذيب اثر وشاية او مزاج المسؤول، وتحت التعذيب اعترفوا بأمور بعيدة عنهم. فالتقيت بالمعتقل بابو عصري وكان شيخ عشيرة، رفض تزويج ابنته لأحد المسؤولين في السلطة فاتهموه بتشكيل تنظيم وسجنوه. ومرة أعلنوا ان نظام البعث في العراق، أعدم أكثر من أربعين رفيقا معارضا من حزب البعث العربي الاشتراكي، فأعدموا هم ايضا اثنين واربعين بينهم ابو عصري.
إثر اعتقالي الأخير، قامت الدنيا وشكلت لجنة للمطالبة باطلاق سراحي. فقد تعرضت عائلتي لكل اشكال التعذيب النفسي، كانوا يتصلون بزوجتي ليخبرونها اني اتعرض لجميع أنواع التعذيب ويصفون طرق التعذيب الـ»الكاذبة» بالتفصيل. إضافة الى الحرمان من رواتبي لثلاث سنوات! ولكن بعد وقوف العالم معي اطلق سراحي..واستعدت نشاطي في 2009..وبقيت حتى 2011 خلالها كنت مراقب حتى خرجت الى فرنسا.
ما قصة الاكاذيب التي ادعوها في تلك الوثيقة؟
ادعوا ان هناك اسماء من الالف شخصية، لم توقّع ولم تعرف بالإعلان ذاك. في حين ان الاعلان كان مغلقا فوقعه الكثير ممن عرض عليهم حتى من قبل شخصيات فلسطينية، ولم يعلن اي من تلك الشخصيات تكذيبنا، وحتى لو وقعها بضع عشرات ما الضير في ذلك. سارتر وقع لوحده وثيقة للمطالبة باستقلال الجزائر وأحدث ضجة وقتها، اذن هي مجرد وسيلة لتشويه عملنا. فمطالبتنا بتحسين العلاقات مع لبنان وان تتم العلاقة على اسس التوافق بين البلدين بعلاقات اقتصادية وسياسية متبادلة، كان على أثر سلوك بعض المسؤولين السوريين في لبنان. فمثلا علاقات سوريا ولبنان لم تكن اخوية. بل كانت قائمة على الابتزاز، ومنهم من سرق المصارف اللبنانية، كما حصل في سرقة المصرف البريطاني، وسرقة ودائع، وقطع ذهبية تعادل200 مليون دولار، من قبل زهير محسن رئيس تنظيم الصاعقة.
بعد سيطرة العناصر الاسلامية (الارهابية) على الاحداث وتشويهها لأهداف المعارضة.هل غير ذلك من موقفك؟ او هل جعلك تعيد حساباتك السياسية؟
حين انطلق الشعب يطالب بالحرية. الحرية للشعب السوري الموحد. بغض النظر عن كل المسميات. اتهمنا النظام بالتآمر، وأنها مؤامرة ارهابية. تحديناه ان يأتينا بشعار، او اعلان واحد إسلامي، او اي تجمع متأسلم، فالذي قاد الحركة منذ البداية هم الديمقراطيين، وبقيت التظاهرات سلمية ولم يطلق أحد النار، اما الاسلاميون، فالنظام قام باطلاق سراح الارهابيين من سجن صيدنايا قرب الشام، ممن كانوا في القاعدة وغيرهم. أطلق سراحهم إثر محاكمات صورية ليشكلوا تنظيمات ارهابية مسلحة لتشويه المعارضة.
وتابع كيلو حديثه «الذي قاد الثورة منذ البداية واعد لها القطاع المدني الحديث، من مثقفين، وطلاب، وتشكيلات سرية، ونقابات، واشخاص مستقلين انا واحد منهم، وتفاعل المجتمع الأهلي بايجابية مع فكرة الحرية، وان الثورة وحدت بين المجتمع الأهلي والمدني، لكن النظام وضع خطة قامت على ابادة المجتمع المدني، لمنعه من قيادة المجتمع الأهلي، وبالعنف على المجتمع الاهلي دفعه للتسلح ومن ثم للتأسلم، وقال بشار وقتها «اذا كانت هي الحرب فنحن على اتم الاستعداد» في حين ان الناس كانوا يهتفون «يابشار يا ابو الاصلاح»..فعن اي حرب كان يتحدث! وانا نفسي توجهت الى القصر الجمهوري والتقيت ببثينة شعبان المستشارة الاولى للرئيس، وقلت لها «يا دكتورة كلشي اعملوا الا الحل الأمني واللجوء للعنف، سيضيع البلد لو لجأتم لذلك، ونحن على استعداد للمساعدة لحل المشكلة، والتحرك نحو الاصلاح» لكنها بعد اسبوع صرحت «هذه الحركة طائفية»! فهم من جعلوها طائفية. فكيف كانت طائفية، وكل الدعوات عن وحدة الشعب السوري، والمطالبة بالإصلاح والحرية.
وهناك الكثير ممن يدفع للجهات الاسلامية من الداخل والخارج من متآمرين دوليين، فالقوى المتصارعة تستعمل هؤلاء لتحقيق مآربهم. ومن ناحية اخرى النظام بدل من الاستجابة للمطالب الشعبية بالإصلاحات والحرية. درب أكثر من (خمسة وثمانون الف) ممن عرفوا بالشبيحة، كان قد القي القبض عليهم بجرائم جنائية، فأطلق سراحهم ودربهم وسلحهم لضرب المتظاهرين، او لمنع الشعب من التظاهر. فحين خرج خمسون متظاهر كان امامهم 200 شبيح ضربوا، وقتلوا ثلاثة ابرياء، والدم يستدعي نفور عام، وهذا ما دفع الالاف فيما بعد للخروج للشارع بتظاهرات عارمة.
انا التقيت بسيدات من سوريا واخبرتني ان الثورة ضد النظام «العلوي». وان السنة والطوائف الاخرى محرومين من المناصب! واخرين متخوفين من المتأسلمين وعنفهم ضد العلويين فأين وجه الحقيقة في ذلك؟
دعيني اؤكد لك، هم من جعلوها طائفية، سلوكهم طائفي منذ البداية، فالجيش والامن والثروات بيد السلطة، وبيد الطائفة العلوية بنحو أكبر، فمثلا دير الزور ليس فيها علويون، فالأغلبية مسيحيون وسنة، في حين كل الوظائف الادارية بيد العلويين، اما العسكريون فحتى لو هناك ضابط غير علوي فوجوده شكلي فقط، فالحل والربط بيد الاخر. والعناصر التي تسمعون بها من الارهابيين جيش الاسلام، واحرار الشام، والجيش الحر، والنصرة، كل هؤلاء من الذين دربتهم المخابرات، وارسلتهم الى العراق ليقتلون ويفجرون بحجة محاربة اميركا، واعادتهم لسوريا (ليجاهدوا). وهناك مبالغات في اسلمة الثورة، فالإسلاميين لا يشكلون أكثر من عشرين بالمئة. سلوك النظام اجبر الكل على التسلح، ليتهم المعارضة بالعنف واستعمال السلاح ليبرر قتلهم.
هل تؤيد الضربة الاميركية لسوريا كخيار عسكري؟
لا اؤيد تلك الضربة، اريد فقط انقاذ الشعب السوري، سياسات النظام هي التي تدفع للهاوية فمنذ 1974 لم يلق حصاة واحدة على اسرائيل، في حين ضرب الشعب السوري بالبراميل المتفجرة، واقول لك معلومة، ان ايمن جابر من اللاذقية هو من اخترع البراميل المتفجرة، وكان قد سجن سابقا لانه عميل للموساد! اليوم يستخدمون افكاره لتدمير الشعب! فمن حق الشعب ان ينعم بحرية وحياة كريمة، لا ان يتعرض للاعتقال بلا سبب. استمرار الثورة بات اكثره خوفا من عودة النظام أقوى من قبل، والخوف من انه سيبيد كل من عارضه حتى وان كان الشعب بأكمله.
لكن لا خوف من الطائفية في سوريا، طالما التظاهرات تهتف شعب سوري واحد، وطالما هناك وعي ومثقفين يلعبون الدور الاول لتغيير هذا الوضع، ولتحسين الوضع الفكري والسياسي والروحي. والا سنتعرض للانقسامات حتى ينقذنا الرب من هذه البلوى.