هذا المقال مكتوب قبل ثلاثة اعوام، ونشر في صحيفة بغدادية غداة اجتياح عصابات داعش مدينة الموصل وتدميرها، وقبل ذلك اغتصاب مناطق شاسعة في غربي العراق، والمقال ليس نبوءة بقدر ما هو قراءة كان الكثيرون يستبصرون عناصرها ومقدماتها.. وفي التالي نصه:
كل من يعبر عن استغرابه حيال أحداث الموصل واجتياحها من عصابات الردة لم يكن ليتابع ما كان يجري من مواجهات وصراعات في الانبار، طوال عام كامل، وكيف تنامت قوة هذه العصابة بالطول والعرض، فما حدث في الموصل صباح الثلاثاء الماضي لم يكن اكثر دقة وتعبئة واجراما من عملية اقتحام سجن ابوغريب في تموز من العام الماضي واطلاق ما يزيد على الف من عتاة الارهابيين، وهرب القيادات والحراس، وانسحاب المهاجمين من دون خسائر
أقول، قد يصاب احد بالحيرة والاستغراب حيال ما جرى في الموصل، إذا ما كان هذا «الأحد» غير معنيّ بسلسلة الاحداث التي سبقته، او غير منشغل فيها، أو غير ذي صلة بالمسؤوليات او المواقع او الادارة القريبة منها، وقد نتوقع ان مثل هذا “الاحد” موجود في العراق، وهو افتراض ضعيف، لكن الأمر الخطير يتمثل في ان مسؤولين على تماس مباشر بادارة الصراع مع الهمجية المسلحة يقفون الآن مشدوهين في النقطة الرمادية من استيعاب الحدث الموصلي، ويصرون على تجنب المراجعة او الاعتراف بالتقصير او الغيبوبة عن حقائق الارض، بل انهم، ومن مواقعهم ومسؤولياتهم المختلفة، يواصلون اللعبة السمجة في تقاذف المسؤولية على بعضهم واعفاء النفس مما حل بواحدة من اكبر مدن وحواضر العراق.
ثم.. إذا كان اجتياح الموصل من قبل عصابات داعش هو حلقة من مواجهات سابقة بين القوات الامنية وسكان مدن غرب العراق فمن اين، إذن، جاء الداعشيون بهذا العدد الغفير من المتطوعين، المعبئين بالرطانات الدينية وبالكراهية الطائفية؟ بل ومن اين جاءوا بهذه الشحنات والحافلات والاليات اذا كانت قد سُدت عليهم منافذ الاوكسجين ووسائل الاتصال عبر الحدود؟
المشكلة، اولا، انه بدلا من التعبئة الوطنية واعداد النفس والقوة والشكيمة من اجل الحاق الهزيمة بالغزاة الكهفيين في الموصل فاننا نرصد هربا متعمدا، بالصوت والصورة، للطبقة المسؤولة عن ادارة السياسة والحكم في البلاد من خط المواجهة، ومن ملازم القتال الوطني ووجوب الوقوف مع السكان المنكوبين، سبقهم في هذا الهرب جنرالات الادارة العسكرية والامنية حيث استقلوا طائراتهم واختاروا السلامة في الخطوط الخلفية بدلا من القتال الذي هو وظيفتهم وموصوفهم وسبب وجودهم في المدينة المسبية.
المشكلة، ثانيا، اننا مقبلون على مهزلة اخرى: المهزومون يصبحون ابطالا، بنياشين اضافية، كما حدث بعد مخازي ابو غريب.. وان علينا، مرة اخرى، ان نلقي عليهم الورود. بدلا من الزبالة.
«الموصل قبل وبعد».. قراءة وليست نبوءة
التعليقات مغلقة