تطوير العلاقات الأميركية -الخليجية يتطلب أكثر من مؤتمرات القمّة وصفقات الأسلحة

مايكل آيزنشتات*
ترجمة: حسين محسن

كان حضور الرئيس ترامب في مؤتمرات القمة الأخيرة في الرياض خطوة أولى نحو إعادة العلاقات مع الحلفاء الخليجيين لكن إنماء المصالح الاميركية طويلة الأمد في الخليج وما وراءها سيتطلب أكثر من صفقات الاسلحة و الخطابات. وسيتطلب الأمر درجة من الكفاءة و الدهاء الجيوسياسي الذي تفتقر إليه السياسة الإقليمية الأميركية منذ عدة سنوات، فضلاً عن إستمرار المشاركة العسكرية والإستعداد للقيادة من خلال وضع أطر سياسية تثني الحلفاء عن اتخاذ إجراءات مزعزعة لاستقرارهم.

النزاع في سوريا
منذ توليه مهام منصبه، اتخذت إدارة ترامب عدة خطوات من شأنها تخفيف بعض المخاوف الخليجية المتعلقة بالحرب في سوريا. ففي 7 أبريل / نيسان، شنت الولايات المتحدة هجوماً صاروخياً على قاعدة الشعيرات الجوية في أعقاب هجوم نظام الأسد على المدنيين في خان شيخون. وفي 18 مايو/ ايار و 6 يونيو / تموز و 8 يونيو / تموز، استهدفت القوات الأجنبية الموالية للنظام التي هددت المعارضة السورية ومستشاريها في التحالف بالقرب من بلدة التنف الحدودية. في حين أن هذه التدابير هي خطوة أولى جيدة نحو إصلاح مصداقية الولايات المتحدة في الخليج، فإن الاختبار الحقيقي يكمن فيما إذا كانت الإدارة ستحافظ على نهجها وتوسعه.
علاوة على ذلك، بينما تثبت الولايات المتحدة اهليتها في ضرب القوات الأجنبية التي تتحرك ضد المعارضة و حلفاؤها في مناطق النزاع في سوريا، سيكون من الأفضل لو استطاعت المعارضة بناء قوة للدفاع عن نفسها ضد هكذا تهديدات. ومن شأن إعادة تنشيط جهود التدريب والتجهيز للمتمردين غير السلفيين في جنوب سوريا (و في أي مكان اخر) أن تساعد على ضمان صلاحية أي اتفاقات لوقف التصعيد، ومنع المزيد من تدفقات اللاجئين الجماعية، وفرض تكاليف كبيرة على النظام وحلفائها. والهدف من هذه الاستراتيجية هو تهدئة القوات الموالية للنظام وإبقائها مقيدة، مما يحول دون شن هجمات جديدة ضد المعارضة في الشرق أو الجنوب أو محافظة إدلب. وهذا النهج هو الوسيلة الفعالة الوحيدة لخلق مأزق قد يخفض من طموحات النظام، ويجبره على الالتزام باتفاقيات وقف إطلاق النار المحلية و عدم استهداف المناطق الامنة، ويعرقل الجهود الإيرانية لبناء جسر بري إلى البحر الأبيض المتوسط.

بيع الأسلحة أم بناء القدرات
من غير الواضح أن الرياض سوف تمارس خيارها لشراء كل الأسلحة التي عرضت عليها بعد الصفقة الأخيرة، أو أن المشرعين الأميركيين سيسمحون بأتمام كل عمليات بيع الأسلحة.
والأهم من ذلك أنه في حين أن بعض عمليات الشراء قد تسد الثغرات في البنية العسكرية السعودية، فإن مبيعات الأسلحة وحدها من غير المرجح أن تعالج الثغرات الكبيرة في قدرات المملكة. ويشمل ذلك تأمين حدودها الطويلة مع اليمن، والتعامل مع التهديد الذي تشكله قذائف الهاون الحوثية والصواريخ والقذائف قصيرة المدى، وإجراء عمليات الأمن الداخلي في المنطقة الشرقية بطريقة لا تؤدي إلى تفاقم التوترات مع السكان هناك، وتأمين خط الساحل الطويل والبنية التحتية البحرية الحرجة. وبالمثل، تفتقر دول مجلس التعاون الخليجي إلى بنية متكاملة للدفاع الصاروخي، مما يجعلها عرضة لتكتيكات إيران المتشبعة عسكرياً.
ونظرا للأداء الباهت للعديد من الجيوش المدربة من قبل الولايات المتحدة في المنطقة – بما في ذلك المملكة العربية السعودية – يجب على واشنطن إعادة النظر في نهجها في مساعدة قوات الأمن، وتجنب محاولات تحويل القوات الشريكة إلى إصدارات مصغرة للجيش الأميركي. وبدلا من ذلك، ينبغي لها أن تعتمد نهجا مصمما يساعدها على أن تصبح أكثر فاعلية من خلال الإفادة من دروس النجاحات السابقة (مثل تدريب وتوجيه جهاز مكافحة الإرهاب في العراق والقوات المسلحة لدولة الإمارات) والإعتراف بالأفضليات الثقافية المحلية.

أميركا ما تزال تحتاج القيادة
على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تحسن كثيراً قدراتها الفردية، فمن غير الواقعي أن نأمل في أنها ستخلق منظمة أمنية جماعية فعالة على غرار حلف شمال الأطلسي، وخاصة نظراً لعدم قدرتها على التعاون على بنية إقليمية متكاملة للدفاع الصاروخي أو التعامل مع التهديدات الأوسع نطاقا. وفي كثير من الأحيان، عززت الولايات المتحدة تعاونهم العسكري المحدود (باستثناء حملتهم المثيرة للجدل في اليمن). ولهذه الأسباب وغيرها، يجب على واشنطن أن تظل منخرطة في المنطقة، دبلوماسيا وعسكريا.
وكما أظهرت أحداث العقد ونصف العقد الماضية، لا بديل عن السياسات السليمة القائمة على الحكم الجيوسياسي السليم. و إن مبيعات الأسلحة أو العمليات العسكرية لا يمكن أن تعوض عن الأخطاء السياسية التي تكون آثارها وخيمة على نطاق واسع، مثل غزو أمريكا عام 2003 للعراق، و محاولات معالجة الأزمة السورية.
وبنحو أكثر تحديدا، يتعين على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في وضع أطر سياسات أمنية لشركائها الإقليميين، خشية أن يتصرفوا بنفسهم بطرق تضر بالمصالح الأمريكية. حيث أدى فشل إدارة أوباما في توفير إطار فعال للعمل في سوريا إلى قيام شركاء الخليج باتخاذ خطوات غير مفيدة مثل دعم الجهاديين السلفيين المتطرفين ضد نظام الأسد. كما أدى الفشل في القيادة إلى صعوبة تحديد الخيارات السعودية والإماراتية في اليمن، وربما لعب دورا في توليد الأزمة الدبلوماسية الحالية مع قطر.
وأخيرا، فإن المصداقية هي طريق ذو اتجاهين. في السنوات الأخيرة، اتخذت بعض دول مجلس التعاون الخليجي إجراءات في سوريا واليمن، وربما الآن قطر التي قد لا تخدم مصالحهم أو مصالح أميركا. ولذلك فإن إعادة النجاح في العلاقات الأمريكية – الخليجية تتطلب مزيدا من التشاور قبل المبادرات السياسية الرئيسة، وزيادة استعداد دول مجلس التعاون الخليجي لتجميع القدرات والعمل على تحقيق الأهداف المشتركة، واستعداد الولايات المتحدة لاستئناف دور قيادي في المنطقة.

*عن معهد واشنطن

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة