كاتب و مفكر عراقي ( 1940 _ 2007) لم يأخذ حصته من الشيوع و الإعلام ، ربما لأسباب شتى أهمها ضيق هامش الحريات المتاح للفكر الانساني الحر خاصة في ظل الأنظمة الشمولية التي عاصرها ( إدريس ) فلم يبق من تراثه الا الشذرات أو البوارق على حد تعبير صديقيه ( د. صالح السراي و د. كامل العتابي ) الذين حرصا على جمع و تبويب هذه البوارق عبر أكثر من كتاب مطبوع صدر حديثا.
يتواصل هذا الباحث في مشروعه مع المقولات الاولى الداعية للأنسنة من قبيل ( اعرفْ نفسك ) إذ يقول ( الإمكانية هي مناخ خاصتك البشرية ، اذا لم تعرف أين تتجه لا تعرف أين أنت ) حيث يفسر هذه الخاصة الانسانية على أنها قدرات الانسان ( العقلية الكامنة التي يستطيع من خلالها تدبير امور معاشه و التعرف على الكون المحيط بمكوناته و البيئة المحيطة بأحداثها ) و يتفاوت منسوب هذه القدرات قوة و ضعفا ( طبقا لأنظمة التربية و متغيرات البيئة ) فالتربية هنا و العمل على تحسين ظروف النشأة تعد من الركائز الاساسية لمشروع ( إدريس ) الفكري و الإنساني الذي يدفع باتجاه حث الانسان على صناعة و ابتكار معناه على هذه الارض فمن مظاهر قبح هذا الانسان في نظره ( أن لا يعي فلسفة وجوده ) و لا يعرف ( ماذا تعني الحياة ) ولذا فهو ينحت مفهوم ( التصدي ) باعتباره نضالا من أجل محاربة الأوهام و الخرافات إذ يرتكز هذا المفهوم في نظره على ركائز محددة يذكر منها :
1_ تطوير إمكانات البشر الخام و توظيفها
2_ الشرف
3_ بطولة الأحرار ، بسالتهم و شيمهم
أما على الإطار الفردي فإنّ فعل التصدي ( ينبع من المسؤولية الفردية ) باعتبار أن الفرد ( ابتداء هو المسؤول عن نفسه ) في إشارة واضحة الى أهمية تأكيد وعي الذات و الاشتغال عمليا على تطوير مهاراتها بتحسين ظروف نشأتها و إنوجادها ، كما يحذر في الوقت نفسه من الارتكاس و التخلي أو ما يسميه ب ( الهروب من التصدي ) من خلال الارتماء أو ( تنفيذ إرادة الآخر ) وهو ( التسوّل بعينه ) كما يراه الباحث .
نلحظ من هذه الشذرات أو البوارق حقيقة أنّ ( فكر ) إدريس ذا مسحة تربوية خالية من التعقيد و هوس النظريات الكبرى فهو يتواصل بسلاسة مع متطلبات النزعة الانسانية الداعية الى تذكير الانسان بوظائفه كي لا ينحدر في سهو الخرافة و التضليل ولا يخفى أن الحاجة اليوم أقوى من أية فترة أخرى لمثل هذه التنبيهات و البوارق بل إنه الحاجة تشتد كلما شحّ منسوب التعايش الانساني في ظل ظروف شائكة يسودها التغالب بدلا عن الحوار .
هذا التذكير هو من باب استعادة دعوات عراقية للاهتمام بالتربية و النشأة لم تأخذ حقها من الإصغاء لكننا اليوم نجد من اللازم تكرار القول بهذا الصدد و تشديك الانتباه بعيدا عن رطانة الافكار الكبرى وجدل النظريات الذي غالبا ما يخلو من أفق عملي ملموس يضع القطار على السكة كما يقال.
رحم الله ( إدريس ) الذي ما بذل ما بذل من أجل إضافة لبنة الى البناء ، فكر بصمت حتى خلد الى صمت الوجود الأخير!
جمال جاسم أمين
إدريس طه حسن
التعليقات مغلقة