في مثل هذا اليوم 10/حزيران العام 2014 أعلنت عصابات الهمجية والإجرام المعروفة بـ (داعش) سيطرتها التامة على الموصل ثاني المدن العراقية بعد العاصمة بغداد، ولم يمر وقت طويل حتى تساقطت المناطق المحيطة لتصل مفارزها المتقدمة وبدعم واسع مما يسمى بـ (الخلايا النائمة) الى أطراف العاصمة بغداد، بعد أن رافق ذلك الحدث الكارثي سيل من الانتهاكات الفظيعة والمجازر بحق كل من وقع بيدهم من جنود وسكان مدنيين من الطوائف والأديان الأخرى المختلفة عن دين وهلوسات داعش العقائدية (مجزرة جنود قاعدة سبايكر والإبادة الجماعية للإيزديين وسبي النساء واستعباد الأطفال وقتل وتهجير المسيحيين والشبك والشيعة وكل ما يمثّل التعددية والتنوع في تلك المناطق المستباحة).
ذلك كان قبل ثلاثة اعوام، واليوم تقف القوات الحكومية من جيش وجهاز مكافحة الإرهاب وشرطة اتحادية وفصائل الحشد الشعبي في قلب مدينة الموصل، إذ لا أمل لما تبقى من فلول داعش سوى الموت أو الاستسلام. عبر تضحيات وبطولات وصفحات إيثار لا مثيل لها؛ تم إجهاض مشروع الردة الظلامية المسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام). لكن ذلك لا يعفينا من مهمة لا تقل أهمية من المواجهة العسكرية؛ ألا وهي وعي ما حصل في الموصل وبقية المناطق التي سقطت من دون اية مواجهة تذكر.. لا أحد يختلف على حقيقة سقوط الموصل وثلث الأراضي العراقية وهزيمة عشرات الآلاف من المنتسبين للجيش والشرطة العراقية بمواجهة عدة مئات من مسلحي داعش، والتي أفضت لوقوع الآلاف من الآليات والمدرعات والدبابات وترسانات الأسلحة والبنوك والمراكز الحيوية وغيرها الكثير بيدهم من دون قتال. هذه والكثير من الوقائع والأحداث لا يمكن اختزالها بطلسم المؤامرة أو الخيانة وغير ذلك من تعاويذ السلالات المهددة بالانقراض.
هل فعلا قامت داعش باحتلال الموصل وكل تلك المناطق التي تهاوت واحدة تلو الأخرى، من خلال المؤامرة أو الخيانة كما يردد البعض طرداً للشبهات التي تحوم حوله، أم أن أعداداً واسعة من سكان تلك المناطق هم من قام بـ (احتلال) منطقة سكناه..؟ من خلال فهمنا لمفردة (الاحتلال) واطلاعنا على تجارب الشعوب والأمم في مقاومتها للاحتلال أو القوّات الغازية، نجد أن ما جرى لدينا صيف العام 2014 وحتى هذه اللحظة؛ لا يمت بصلة لهذه المفردة. فلا مقاومة محلية تذكر ضد ما أعلن عنه من جامع النوري، أي دولة “الخلافة” وفرامينها وسلوكها وممارساتها المنحطة، طبعا هذا لا ينفي وجود حالات محدودة جداً للمقاومة سرعان ما قمعت ولم تشكل تأثيرا مهما على سير الأحداث. فهم ووعي حقيقة ما جرى بمقدوره وحده تجنيبنا مثل هذه السيناريوهات الكارثية، من النزاعات ونهش بعضنا للبعض الآخر، وهذا يحتاج منا الى أكثر من شجاعة الخنادق والمتاريس، الى شجاعة الموقف والقرارات الجريئة والمؤلمة، كي ننتشل أنفسنا من دوامة القتل المجاني وهدر أفضل ما لدينا من طاقات بشرية وبنية تحتية، من أجل خلطة مميتة من الأحقاد الصدئة والهلوسات. كل هذا الخراب وما خلفه من أنقاض بشرية ومادية لا حدود لها، وما زالت شعوب وقبائل وملل هذا الوطن القديم رهينة عقائدها الفاسدة وخطاباتها المسعورة المسؤولة عنه. لا أثر لوعي أو تململ من تلك البرك الآسنة، ونحن نقترب من موسم الانتخابات، حيث القوى المتنفذة نفسها تستعد لإعادة تدوير ذات الهموم والاهتمامات مع شيء من المنكهات والإيقاعات الجديدة..
جمال جصاني
ما الذي حصل في الموصل..؟
التعليقات مغلقة