تتصدرها الصراعات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط
محمد عبد الله يونس
على الرغم من التراجع النسبي في عدد ضحايا الصراعات في العالم خلال عام 2016،لا تزال أغلب النزاعات والمواجهات العسكرية في مختلف أقاليم العالم تستعصي على التسوية السلمية، كما أنها مرشحة للتصعيد خلال السنوات المقبلة. فقد كشف تقرير “مسح الصراعات المسلحة” (Armed Conflict Survey) الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) بلندن في 9 مايو 2017، عن أن عشرة صراعات عالمية مرتفعة الحدة تسببت في 80% من عدد قتلى الصراعات في العالم خلال عام، يتصدرها الصراعات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يرتبط باستمرار تعقيدات الصراعات، وانتقالها من الأطراف إلى المراكز الحضرية، وصعود أنماط صراعات العصابات، وصراعات الحصار، وانتشار الصراعات الخامدة التي يُرجَّح أن تشهد تصعيداً خلال السنوات المقبلة.
الانتشار العالمي للصراعات المسلحة:
تراجعت الخسائر البشرية الناجمة عن الصراعات المسلحة في العالم من 167 ألف قتيل عام 2015 إلى 157 ألف قتيل عام 2016، وعلى الرغم من ذلك تصاعدت تعقيدات الصراعات المسلحة، وتزايد عدد الصراعات مرتفعة الكثافة عالمياً.
وتصدرت منطقة الشرق الأوسط بؤر الصراعات العالمية عالية الكثافة، إذ أدت الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى سقوط ما لا يقل عن 82 ألف قتيل عام 2016، واحتل الصراع الأهلي في سوريا صدارة الصراعات المسلحة الأكثر حدة بعدد ضحايا يقدر بحوالي 50 ألف قتيل، وهو ما يمثل قرابة 61% من عدد ضحايا الصراعات في الشرق الأوسط.
وشهدت أمريكا اللاتينية صعوداً في عدد ضحايا الصراعات المسلحة إلى حوالي 39 ألف قتيل عام 2016، في مقابل 34 ألف قتيل عام 2015، ويمثل ضحايا صراعات العصابات في المكسيك حوالي 58.9% من إجمالي ضحايا الصراعات في أمريكا اللاتينية.
وشهدت الصراعات في إفريقيا جنوب الصحراء تراجعاً في عدد الضحايا بين عامي 2015 و2016، حيث بلغ عدد ضحايا الصراعات حوالي 15 ألف قتيل عام 2016، في مقابل 24 ألف قتيل عام 2015، وهو ما يرجع إلى تراجع العمليات العسكرية لبوكو حرام في نيجيريا خلال عام 2016، وتقاسمت الصراعات في كلٍّ من النيجر في نيجيريا وجنوب السودان والسودان والصومال أغلب أعداد ضحايا الصراعات في قارة إفريقيا.
وفي المقابل، لم تتراجع حدة الصراعات في جنوب آسيا، حيث بلغت أعداد الضحايا حوالي 19 ألف قتيل، وتصدرت أفغانستان قائمة الدول من حيث عدد الضحايا بنسبة 84% من إجمالي الضحايا في جنوب آسيا، تليها باكستان بنسبة 9% من أعداد الضحايا.
أما دول القارة الآسيوية والمحيط الهادي فشهدت صراعات أقل حدة لم تسفر سوى عن سقوط 1250 قتيلاً عام 2016، وتصدرتها الصراعات الانفصالية في الفلبين وميانمار وجنوب تايلاند. وفي القارة الأوروبية لا يزال الصراع الانفصالي في أوكرانيا يتسبب في سقوط 70% من ضحايا الصراعات الذين بلغ عددهم 1000 قتيل في عام 2016، في مقابل 4500 قتيل عام 2015.
الاتجاهات الصاعدة للصراعات:
تضمن تقرير مسح الصراعات المسلحة لعام 2017 تحذيرات من تحولات طبيعة المواجهات العسكرية، إذ أشار التقرير إلى أن “الصراعات الكامنة” والمجمدة (Frozen Conflicts) قد باتت أكثر عرضة للتصعيد بسبب عدم معالجة الجذور العميقة لهذه الصراعات. وحذر التقرير من التصعيد في بعض الصراعات متوسطة ومنخفضة الكثافة، مثل: الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والصراعات في أوكرانيا ومالي وشمال الهند وكولومبيا والفلبين. وفي هذا الإطار تمثلت أهم الاتجاهات الرئيسية للصراعات في العالم فيما يلي:
1- الانتقال للمراكز الحضرية: أضحت المدن والمراكز الحضرية ساحات للصراعات المسلحة في العالم بعدما كانت الصراعات تتركز في المناطق الطرفية البعيدة عن المركز. وفي هذا الإطار رصد تقرير “مسح الصراعات المسلحة” لعام 2017 أن 50% من الصراعات المسلحة الأكثر حدة في العالم البالغ عددها 36 بؤرة صراعية امتدت للمدن والمناطق الحضرية. فقد تسبب الصراع مع حزب العمال الكردستاني في تركيا في انتشار التهديدات للمناطق الحضرية في جنوب تركيا، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى إلى 3000 قتيل في عام 2016، وهو المستوى الأكثر حدة منذ عام 1997. وينطبق الأمر ذاته على أفغانستان التي شهدت أكثر هجمات طالبان الانتحارية حدة في كابول في إبريل 2016، والتي أسفرت عن مقتل 64 شخصاً، وهو ما تكرر في باكستان مع تكرار التفجيرات ذات الطابع الطائفي في المدن.
كما يُعد الصراع السوري نموذجاً على تصاعد استهداف المدن، وتزايد تدفقات اللاجئين نحو المناطق الحضرية؛ حيث استقر 90% من اللاجئين السوريين في المدن بالدول المجاورة لسوريا بعد عدم قدرة معسكرات اللجوء على استيعاب الأعداد الضخمة من اللاجئين.
2- تزايد النزوح الداخلي: لم ينعكس التراجع الطفيف في عدد ضحايا الصراعات على أعداد اللاجئين والنازحين التي شهدت تزايداً ملحوظاً خلال عام 2016، حيث شهدت الفترة من يناير حتى أغسطس 2016 نزوحاً داخلياً لما لا يقل عن 9000 ألف مدني في سوريا، وتزايدت أعداد المشردين داخلياً في العراق إلى 234 ألف شخص، وفي أفغانستان إلى 260 ألف شخص، وفي اليمن حوالي 500 ألف شخص، و192 ألف شخص في السودان، بينما تصل هذه المعدلات إلى ما يقارب 3 ملايين نازح داخلي في نيجيريا.