الصدام الأميركي – التركي في سوريا

(3ـ3)
كولن كول

ليس من المستغرب أن المسؤولين الأتراك يخالفون رأي السيد وولف، ومن المرجح أن أردوغان سيطلب من ترامب إيقاف الخطط الاميركية في تسليح وحدات حماية الشعب قائلاً إن على الإدارة دعمَ الهجوم على الرقة باستعمال القوات المدعومة من تركيا، أي: إعادة تنظيم المجموعات وتوجيها التي تم حشدها في عملية درع الفرات، قدّر البنتاغون إعداد القوات الديمقراطية السورية لتصل إلى 50 ألف مقاتل، منهم 27 ألفاً من وحدات حماية الشعب، و23 ألفاً من القوات العربية، وعلى النقيض من ذلك، فإن تركيا قامت بحشد بضعة آلاف مقاتل فقط في عملية درع الفرات، إلا أن بعض المحللين يعتقدون أنهم ضروريون للحفاظ على المنطقة العازلة التي أنشأتها تركيا، ولكن حتى لو تم السماح للقوات المعارضة بالهجوم على الرقة فإن أعدادهم ما تزال صغيرة جداً فضلاً عن أن مدى تماسك القوات وتحكم القيادات في تشكيلات المجموعة يعد أمراً غير مؤكد؛ وبالتالي لا تمثل بديلاً ذا مصداقية قوية كقوات الديمقراطية السورية.
فضلاً عما تم ذكره آنفاً، فمن غير الواضح كيف سيصل أفراد قوات المعارضة التابعون لعملية درع الفرات إلى الرقة إذ إنهم متمركزون في منطقة محاصرة، وإذا أرادوا الوصول إلى الرقة من الجنوب فسيكون عليهم قتال قوات النظام الروسي وأسد، وإذا اختاروا الوصول إلى الرقة من الشمال، فعليهم طلب المرور من خلال خطوط قوات سوريا الديمقراطية وهو أمر مستبعد، أو بإمكانهم الاستيلاء على معبر تل أبيض ثم القتال مع الآلاف من المقاتلين الأكراد والعرب المدعومين من الولايات المتحدة الاميركية.
أظهرت تقارير كثير في شهر نيسان الماضي أن كبار مسؤولي مجلس الأمن الوطني قد طرحوا خيار إرسال عشرات الآلاف من القوات الاميركية إلى سوريا للاستيلاء على الرقة، وهي خطوة من شأنها أن تشكل أساساً لغزو سوريا، وستكون نهجاً مخالفاً للنهج “غير المباشر” الذي يتم فيه الاعتماد على الشركاء المحليين لتحرير الأراضي وحمايتها. وفيما عدا الأرواح الاميركية التي ستزهق، فإن الجيش الاميركي سيقاتل في مدينة تضم أكثر من 200 ألف نسمة من دون وجود استراتيجية لخروجهم من المدينة. إلّا أن البنتاغون لا يحبذ مثل هذا الخيار -وهو لا يعد أمراً مفاجئاً- إذ أبدى ترامب مؤخراً عدم رغبته في إرسال أعداد كبيرة من القوات البرية الاميركية للقتال ضد تنظيم داعش، فضلاً عن تردده في التعمق بنحو أكبر في الأزمة السورية.
ونظراً لندرة البدائل الجيدة، ينبغي لإدارة ترامب المضي قدماً بخيار القوات الديمقراطية السورية ولكن عليها أن تفعل ذلك كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تخفيف مخاوف تركيا قدر الإمكان، وينبغي أن تتضمن هذه الخطة خمسة عناصر في الأقل، وهي كما يلي:
أولاً: لكي يبين ترامب لأردوغان الحاجة الملحة لتحرير الرقة باستعمال القوات المتاحة حالياً، فإن الإدارة ستحتاج إلى تقديم قضية أقوى -على المستوى العام والخاص على حد سواء- للمزايا المحتملة لتركيا من شراكة الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب. إن الدعم الاميركي يمنح للولايات المتحدة السيطرة على أفراد وحدات حماية الشعب في شمال وسط سوريا وشمال شرقها؛ مما يحدُّ من احتمالية سعي مقاتلي وحدات حماية الشعب للحصول على الدعم من روسيا وإيران وهو ما قد يضرُّ بالمصالح التركية بنحوٍ كبير.
إن العلاقات الاميركية مع وحدات حماية الشعب وجناحها السياسي -حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)- ستؤدي أيضاً إلى منح الولايات المتحدة الاميركية الفرصة بأن تكون وسيطاً بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في حالة استعداد الطرفين لإعادة بدء محادثات السلام؛ وهذا من شأنه أن يصب في مصلحة أردوغان نظراً لعمليات القتل الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني في المجتمع التركي، وعدم وجود تدخل عسكري لحل هذا الصراع، وفضلاً عن ذلك وبعد حصول أردوغان على السلطة التنفيذية عليه أن يسعى من أجل الحد من تعزيز المشاعر المعادية للكرد.
من الجدير بالذكر أن أردوغان قد اتبع في السابق -منذ عام 2012 إلى أوائل عام 2015- استراتيجية تهدف إلى إنهاء الحرب مع حزب العمال الكردستاني عبر الوصول إلى تسوية خلال المفاوضات، وشاركت الحكومة التركية مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ووحدات حماية الشعب آملة بأن تخلق شقاقاً بينهما وبين حزب العمال الكردستاني؛ إلّا أن هذه الاستراتيجية قد باءت بالفشل في عام 2015 مع عودة العنف ضد حزب العمال الكردستاني؛ إذن، فإن مهمة ترامب الأساسية هي تقديم حجة مقنعة لأردوغان بأن من مصلحة تركيا العودة إلى نهجها القديم بالتعاون مع الأكراد، وأن الرئيس الاميركي على استعداد لتقديم المساعدة.
ثانیاً: ينبغي على ترامب الالتزام بالشفافية الكاملة مع أردوغان حول طبيعة الدعم العسکري الذي تقدمه الولایات المتحدة للقوات الديمقراطية السورية لتجنب مخاوف أنقرة من أن المساعدة الأمیرکیة لوحدات حمایة الشعب یمکن أن تشكل خطراً عسکریاً مباشراً علی ترکیا. قال مسؤولو الدفاع الاميركيون إن المساعدات ستتضمن أسلحة صغيرة ومدافع رشاشة وذخائر وعربات مدرعة ومعدات هندسية فقط، وينبغي على الإدارة أن تتبع اقتراح البنتاغون بأن يتم قياس نوعية الأسلحة والذخائر وكميتها التي تقدمها للقوات، بحيث تكون هذه المساعدات كافية في عملية تحرير الرقة وفي الوقت نفسه لا تشكل خطراً كبيراً على تركيا، وينبغي أيضاً إرجاع أي أسلحة ثقيلة قدمت للقوات إلى الولايات المتحدة في أعقاب حملة الرقة.
ثالثاً: على ترامب أن يحدد نطاقاً أوسع للتسوية المؤقتة بين أنقرة والقوات الديمقراطية السورية التي -وإن كانت بعيدة عن المثالية من وجهة نظر أردوغان- ستحافظ على المصالح التركية الأساسية في احتواء الطموحات الكردية والحفاظ على التحالف الاميركي-التركي، وينبغي على إدارة ترامب أن تحدد وتنفذ شروطاً واضحة وذات مصداقية تحد من توسع سيطرة الأكراد ونفوذهم في سوريا؛ ويعني ذلك عملياً أن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة بقيام سحب كامل للقوات الديمقراطية السورية عبر الضفة الشرقية لنهر الفرات، تاركةً مدينة منبج تدار من قبل مجموعات معتدلة تابعة لتركيا؛ وهذا يعني أيضاً استعدادها لتقديم مساعدات إضافية لجهود تركيا الرامية إلى الحفاظ على المنطقة العازلة لدرع الفرات كتحوط ضد عودة تنظيم داعش وضمان عدم تجمع الأكراد والسيطرة على الحدود التركية السورية بأكملها، على الإدارة الاميركية أن تعيد التأكيد على معارضة الولايات المتحدة لوجود دولة كردية مستقلة في شمال سوريا.
يتوجب على ترامب أن يبين لأردوغان أن الولايات المتحدة لا تزال تعدُّ حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وأنها ستقدم مزيداً من المعلومات الاستخبارية والمساعدة لوقف هجمات حزب العمال الكردستاني؛ ولمعالجة المخاوف الأمنية التركية يجب على الإدارة أن توضح لوحدات حماية الشعب أن استمرار علاقتهم مع حزب العمال الكردستاني -ولاسيما في سياق الهجمات المستمرة لحزب العمال الكردستاني في تركيا- سيجعل أي علاقة طويلة الأمد بعد الرقة مع الولايات المتحدة غير قابلة للاستمرار.
رابعاً: يجب أن تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد طرق لمعالجة المخاوف التركية المشروعة، وفي الوقت نفسه عليها أيضاً أن تسعى في إيجاد حلول لمخاوف الأكراد السوريين؛ فإذا انسحبت القوات الديمقراطية السورية بنحو نهائي من شرق نهر الفرات -مثلاً- فإن على تركيا إنشاء ممر آمن للنقل عبر منطقتها العازلة للسماح بحركة المدنيين الأكراد بين المحافظات الكردية، وفي المقابل السماح بمشاركة أكبر للمنظمات السياسية الموالية لتركيا في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية؛ وينبغي على تركيا أن توافق أيضاً على تحمل أيّ حكومة سورية مستقبلية التي تقوم بتوفير درجة من الحكم الذاتي المحلي للمناطق الخاضعة لسيطرة تلك القوات في شمال سوريا؛ وبمجرد أن تنأى وحدات حماية الشعب بنفسها عن حزب العمال الكردستاني فإن إدارة ترامب يجب أن تقدم المساعدة الاميركية بنحوٍ مستمر.
خامساً: على ترامب أن يكون مستعداً لتقديم خيارات لمعالجة مخاوف أردوغان بشأن حزب العمال الكردستاني خارج سوريا، ولاسيما في شمال العراق، إذ يخشى أردوغان من تواجد حزب العمال الكردستاني في منطقة جبل سنجار -إحدى المناطق التي تم قصفها في 25 نيسان- خوفاً من أن يعمل الحزب مع إيران لإقامة “جسر بري” لشحن الأسلحة من إيران إلى سوريا عبر العراق؛ فمن هنا بإمكان إدارة ترامب تعزيز العلاقات الاميركية مع وحدات حماية الشعب ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للتخلص من وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار وذلك على وفق تقرير مجموعة الأزمات الدولیة الأخیر.
لا تُعد أي من تلك الإجراءات حلاً سحرياً للمشكلة، ولن يكون من السهل إقناع أردوغان بها، وتجدر الإشارة إلى أنَّ أيَّ وسيلة لطمأنة تركيا لن تكون كافية لتتقبل علاقة الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب، ولكن قد تكون الخطوات المقترحة في هذا المقال كافية لمنع تدهور كل من الحملة العسكرية ضد تنظيم داعش والتحالف الاميركي-التركي وهو أمر يصبُّ في مصلحة البلدين.
في ظل التحديات العالمية العديدة التي يواجهها ترامب، فإنه مما لا شكَّ فيه أن الرئيس الاميركي قد اكتشف أن الأحداث في شمال سوريا معقدة جداً؛ في الواقع قد لا يكون هناك بلد أكثر تعقيداً من سوريا على هذا الكوكب، إلّا أن اشتباك القوات الاميركية وسط تفاقم التوترات بين تركيا والأكراد وزيارة أردوغان الوشيكة إلى واشنطن، فإنه ليس أمام الرئيس خيار سوى مواجهة هذا التعقيد بنحوٍ سريع.

* أستاذ مشارك في برنامج الدراسات الأمنية بكلية إدموند والش

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة