الجاحظ المعلم الأول في الإنشاء رئيساً لديوان الرسائل ببغداد

طارق حرب
عندما اشغل الجاحظ منصب رئيس ديوان الرسائل في بغداد لكونه حضر في مجلس الخليفة المأمون وسمع الخليفة كلامه وابدى اعجابه به واثنى عليه وقربه وولاه رئاسة ديوان الرسائل والدواوين في زمن الدولة العباسية كالوزارات في زمننا الحالي وهذا المنصب الذي اشغله الجاحظ في الدولة العباسية لا يتولاه الا من له مقدرة عظيمة ومعرفة واسعة بشؤون الكتابة في يوم تميز العصر العباسي زمن المأمون بالثراء والرخاء والانفتاح على ثقافات مختلفة والاقبال على العلوم والاداب والفنون والتوجه الى التأليف والتصنيف والترجمة وقد نبغ رجال عظام في شتى فروع المعرفة ،ومن هؤلاء الرجال الجاحظ الذي يعد رائد الاساليب الرفيعة في الكتابة الذي خلد نفسه بعطائه الفكري من خلال الكنوز الادبية النافعة التي خلفها ذلك ان العصر العباسي وان شهد كتاب كثيرون منهم سهل بن هارون الذي جعله المأمون كاتبا على خزانة بيت الحكمة وخاصة كتب الفلسفة التي نقلت من جزيرة قبرص الى بغداد .
وكان كاتباً بليغا جزل العبارة ووجيزها وكذلك الكاتب محمد بن عبد الملك الزيات الذي اشتغل كاتباً في دواوين الدولة العباسية من المأمون وأصبح وزيرًا في عهد الخليفة المعتصم وكذلك ابن قتيبة صاحب كتاب ادب الكاتب وكتاب الشعر والشعراء وغيرهم من كتاب ذلك الوقت فان الجاحظ كان الاقدر والاوفق في الكتابة على جميع الكتاب فقد كان نابغة عصره لم يدع بابا من ابواب المعرفة الا طرقه.
واصدق ما يوصف به انه موسوعة او دائرة معارف حتى بلغت مؤلفاته مائة وستين كتاباً في حين ان ابن الجوزي البغدادي الذي ألف مائتي كتاب كان يقول ان عدد كتب الجاحظ اكثر من الف كتاب اذ كانت على شكل رسائل او مباحث منها التربيع والتدوير ومناقب الترك والمعاش والمعاف وكتمان السر وحفظ اللسان وفخر السودان على البيضان وفي الجد والهزل ومفاخرة الجواري والغلمان ونفي التشبيه والحجاب والقيام وحجج النبوة وفضل هاشم على عبد شمس ومن اهم كتبه الحيوان والبخلاء والبيان والتبيين والمحاسن والاضداد وسواها كثير.
وكان للجاحظ طريقة خاصة في الكتابة اصبحت مدرسة من مدارس الكتابة يعود لها الباحثون في دراستهم.
وتقوم هذه المدرسة على قواعد عديدة منها مطابقة الكلام لمقتضى الحال أي ينبغي للمتكلم ان يعرف اقدار المعاني ويوازن بينها وبين اقدار المستمعين وبين اقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من كلامه ،هذا ويعرف البيان والابتعاد عن حوشي الكلام وغريبه مع وضوح الدلالة على قدر وضوح الدلالة وصواب الاشارة ودقة الموصل يكون اظهار المعنى ويعرف الاستطراد بالكلام اي دفع الملل والسأم عن القارئ وتفكيه النفس وترويحها من التعب والعناء ومعرفة مزج الجد بالهزل والضحك والمرح تحبيب القراءة والمتابعة وشحذ الذهن وتجديد النشاط ومعرفة العناية بالالفاظ وتركيب العبارات والجمل ومعرفة التلوين الصوتي أي العناية الالفاظ او الموسيقى الذي يعتمد على السجع والصحيح ان الجاحظ رزق باسلوب مقبول في القلوب لصدقه وواقعيته وتوافقه بين اللفظ والمعنى لذلك استحق ان يوصف بانه المعلم الاول في الانشاء العربي .
والجاحظ كانت ولادته عام 160هـ وكانت وفاته عام 255هـ وديوان الرسائل هذا كان يسمى بهذا الاسم في الايام الاولى للدولة العباسية وسمي بعد ذلك ديوان الانشاء ومهمة هذا الديوان هو صياغة الكلام وترتيب المعاني في الكتابات الصادرة من الخليفة او الوزير لذلك سمي متوليه بالكاتب او المنشئ حيث يستعمل موهبته في الكتابة والانشاء بالمعنى المطلوب منه وبما يتناسب ومكانة الشخص المرسل اليه الكتاب ولم يكن عمل الجاحظ مقصورا على كتابة الرسائل شأنه شأن شكل كاتب فقد كان ينشد القصائد في المناسبات يمدح فيها الخليفة ويعزي في المناسبات وكان من يتولى هذا المنصب على معرفة كبيرة بالشعر والادب اذ الاختيار لهذا المنصب يكون لوافر الفضل من حسن الخط ومليح العبارة وجيد الترسل والجاحظ هو ابو عمر عثمان بن بحر بن محبوب الكناني لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه منذ ولادته وتوفي ابوه وهو صغير وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في الكتاتيب واخذ يتردد على حلقات العلم ويختلف الى سوق المربد في البصرة ويتلقى الفصاحة من شفاه العرب حيث سمع من ابي عبيدة والاصمعي واخذ النحو من الاخفش والكلام من النظام واستفاد من ابي يوسف صاحب ابي حنيفة واعتنق الجاحظ مذهب الاعتزال ونصره في كتاباته وخالف استاذه النظام ببعض الاراء وايده في اعتزاله طائفة من اصحاب علم الكلام عرفوا بالجاحظية ،وكان بسيطاً متواضعاً صادقاً صبوراً وعرف بالظرف والمفاكهة والمداعبة والتندر وقيل انه مات والكتاب على صدره اذ قتلته مجلدات الكتب التي وقعت عليه .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة