اختلاف القيم

خلال اكثر من خمسة عقود بقي الصراع العربي الاسرائيلي يشكل القضية المركزية في العالم العربي وبقيت تفاصيل هذا الصراع تشغل الدول العربية انظمة وحكومات وشعوبا ولربما اسهم هذا الصراع في التقريب مابين هذه الدول انطلاقاً من الروابط التي تربط الشعب العربي وفي مقدمتها روابط الدم والدين اضافة الى روابط الجغرافية والمصير المشترك وكان احتلال فلسطين في كل تلك السنوات الماضية قضية جوهرية ومحورية تدور حولها الهموم العربية وتنطلق منها سياسات العالم العربي مع دول العالم الاخرى وتشترك فيها هموم المواطنين العرب في تجمعاتهم ولقاءاتهم وتفاوت الاهتمام في قضية العرب المركزية بين صعود وهبوط تبعاً لعلاقات الدول العربية باسرائيل عامة وطبيعة علاقات الدول المحاذية لها خاصة ففي سنوات الحرب والصراع المسلح كان التوحد العربي في اوج قوته وبعد توقيع معاهدة الصلح والسلام في اجتماعات كامب ديفيد وزيارة انور السادات الى اسرائيل تشكلت خارطة الانقسام العربي وتغيرت معالمها مع تغير التحالفات بين الانظمة العربية ورؤيتها في التعامل مع الاحداث المصيرية التي اعقبت اتفاقيات كامب ديفيد لتكون الحرب العراقية – الايرانية اول فخ سياسي استجابت له نوازع الجهل والفشل في انظمة الحكم العربية وقد غيبت في هذه الحرب ارادة الشعوب وحضرت ارادة الحكام حتى جاء الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 ليقصم ظهر العالم العربي ويعبث بكل قيم التوحد ليدخل العرب في محنة وفتنة ماتزال اثارها ماثلة الى اليوم ورسم هذا الاحتلال خارطة سياسية وامنية واقتصادية جديدة تداعت من خلالها الثوابت العربية وتفاوتت القيم التي امن بها العربي على مدى اكثر من خمسين سنة وتراجعت فيها قضية فلسطين واحتلال الاراضي العربية وتغيرت فيها المواقف والعلاقة من اسرائيل وتخلخلت واهتزت في العقل العربي شعارات الوحدة والاخوة والصمود وبات العالم العربي على اعتاب مرحلة تاريخية جديدة وظفت فيها الانظمة الحاكمة مصالحها وفصلت اهتماماتها ورتبت اولوياتها انسجاماً مع الاحداث المفصلية التي اعقبت احتلال الكويت ومن بعدها اسقاط نظام صدام ليكون المشهد العربي اليوم مشهداً ضبابياً ومشوشاً لاتستطيع الدول الاخرى تفسيره بميزان واحد وتداخلت مصالح الدول الكبرى والدول الاقليمية المحيطة بالعالم العربي مع مصالح الانظمة العربية الحاكمة وخسرت الشعوب العربية الكثير من مساحات التأييد والتضامن في قضايا الصراع مع اسرائيل وتبددت ثروات الدول العربية في الانفاق العسكري والامني تحت منظومة الخوف والتمحور في تحالفات الاضداد ولن يستغرب احد اليوم هذا الاختلاف والاحتدام والشتائم والاتهامات والتخوين والجدل الكبير في العالم العربي الذي يتم رصده في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات الفضائيات في كل القضايا السياسية انطلاقاً من اعلى هرم السلطة في منظومة الحكم العربية وصولا الى ابسط انسان في الشارع الذي ينسجم تماماً مع اختلاف القيم وتفاوت الاهتمام بها بين دولة عربية واخرى .ومالم نعيد للعقل العربي الايمان والثقة بالوجود والانتماء والاعتراف بارتكاب الانتهاكات لن تنفعنا اية مصالحات او اجتماعات او اتفاقات مع الدول الكبرى ولن نعيش حالة الاطمئنان والاستقرار في حاضرنا ومستقبلنا وسيكون التحدي والمهمة الاصعب في الاقدام على الخطوة الاولى وهي العمل على ايقاف او انهاء مهرجان الشتائم بيننا على شاشات التلفزة ومواقع الاعلام الاخرى واسدال الستار على مسرح الهزيمة العربي الذي يتفرج عليه العالم منذ عقود من الزمن .
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة