دلالة المفردة.. في نصوص التونسية أمال مناعي

علي لفته سعيد

لا يكون الشعر شعراً إذا لم تتوفّر فيه الشاعرية.. ولأن الأمر نسبيّ فان الإحساس الأول يبدأ من داخل الشاعر إذا ما كان ما يكتبه شعراً، فيه من الشاعرية ما تجعله يندمج مع الكلمة التي تكوّن الجملة الشعرية، ويكون معها متماهياً، لكي يرضى عن نفسه من إنه يكتب الشعر.. ولأن الشعر في بعض تجليّاته ردّة فعلٍ على تعبيرٍ آني أو تقويمٌ لفظيّ لما تحتويه الحياة لتحويل الاحتواء المغاير الذي لا يراه المتلقي الى شعرٍ قابلٍ للرؤية والتملّي معها.. ولهذا نجد أن الشعر يخضع أيضا الى جنون الشاعر شئنا ذلك أما أبينا، لأن الذات هي المصدر الذي يُعطي دفعةً وشحنةً وقابليةً وإدراكاً لتحويل الكلمة الى جملةٍ شعريةٍ فيها شاعرية وإلّا لتحوّلت الى نصٍّ باهتٍ لا يخرج منه الضوء ولا يكون له ظلٌ ولا يحتوي على اكتازٍ لفظيٍّ ولا يباهي به روحه في اللحظة الوجدانية، حتى لو كانت الجملة رثاءً أو انتقاداً وحتى انتقاصاً من حالةٍ متمرّدةٍ.
ما نلاحظه في نصوص الشاعرة التونسية آمال المناعي في مجموعتها الشعرية الجديدة التي تحمل عنوان ( أشواق روح ) والتي وضعت تحتها عنوانا تعريفيا ( قصائد شعرية ) ليس لانها تأتي بشيء جدي بل هي تريد القول ان ما كتبته يحمل في روحه شعرا وما هو مكتوب قصائد وليس نصوصا وهي ربما هنا تريد منح الهوية لنصوصها ولكنها من حيث تدري أو لا تدري ارادت إزاحة المصطلح الى بعد آخر خارج النص وخارج النثر والاقتراب من القصيدة.. ولهذا فإنها تحاول أن تجعل من جملتها ليس مجرّد لفظٍ بل جملةً قادرةً على الإتيان بالمخيلة والولوج الى خانة الإدهاش، وهي محاولاتٌ قد تبدو صعبةً من واجهة التلقي العام لكنها محاولاتٌ تمتاز بقدرة المحاولة ذاتها، ولذا نجد إن الكلمة الشعرية عندها مرصوفةً بدلالاتٍ متعدّدةٍ لكي تخرج من روحها عاريةً فترتدي ثوب الجملة بحسب ولادتها داخل النص / الفكرة. وإذا ما أخذنا هذه الجملة الشعرية المكوّنة لجسد القصيدة نجد إن المحاولة تحمل حسنتها التدوينية في إنها جملةُ لغةٍ تركّب من مفرداتٍ تكون قواماً شعرياً وما ينبغي عليها أيّ الشاعرة إلّا أن تتمكن من استخرج الشاعرية من باطن مفردتها ومن ثم جملتها وبالتالي القصيدة..
(و صيتي التي تحملها
نجمة وحمامة ……
هي من وحي عينيك
ومن وحي أربعين ليلة
وليلة وفجر …وليلة أخرى…
وصيَة النبض والدَمع
يتلوها صمت الليل
الذي تقوله بجنون)
ان الشاعرة آمال المناعي تعتمد في انثايالاتها الشعرية على الجملة الأسمية في أغلب نصوصها، وهو ما يعني إن هذه الجملة تبدأ بالمبتدأ ويكون في أغلب قوامها معرّفاً لتنسج من وحدتها اللغوية قدرةً على شرح تفاصيل العنونة / رأس النص، لتضيء جسد النص بأكمله.. والجملة الأسمية تكاد تكون جملةً متاقفزةً على تكرار النهج الإسمي لها ولهذا نجد في روح النص ما يمكن أن يولّد أبجدية التناوب ما بين التلقّي وما بين الجملة اشعرية.. ولهذا نجد أيضا إن الشاعرة تكون معنيةً بما تريده هي من القصيدة بأكملها رأساً وجسداً لتضخّ فيها رؤيتها الخاصة، مكتفيةً برسم علامات دالة لتكون مدلولَ المفردة ذاتها .. وهو لا يعني أن جميع نصوصها أسمية بل أن هناك نصوصاً تعتمد فيها على الفعل المضخّم في مفعوله والمعتّق في التشبيه لكي تبدو الإستعارات سواء ما كانت وجدانية أو غنائية أو رثائية أو استهجانية لما تريد طرحه من أفكارٍ تدور في مخيلتها هي وتريد من المتلقي أن يشترك في زرع المعنى وحصاد القصد ولملمة التأويل..
(أنت شمس الحرية
وأنت حضارة مغاربية
وأنت طفل
ترتد دائما فيَ وعليَ
في جنون وهدوء
وفي جدلية
كان اللقاء ….
جميلا, هادئا وسعيدا
ضاربا …
في الحيرة الوجودية )
إن نص الشاعرة آمال يكاد لا يختلف عن النصوص الأخرى لشاعراتٍ عربيات يحاولن التمرّد على المفردة أو البناء لكنها تبحث عن لونها الخاص ونرجسيتها المكوّنة لتفاصيل الجمال داخل النصّ، لعلها تنتج شاعريةً قادرةً على جذب المتلقّي الى نصّها والتفاعل معه وهي تترك للمفردة ان تكون صاحبة دلالة تبحث عن مدلولها ولو بطرق بسيطة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة