هل نجحت أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية بتعاملها مع عملية مانشستر؟

برلين ــ جاسم محمد

تعرضت مدينة مانشستر البريطانية، فجر يوم 23 مايو 2017 الى عملية ارهابية، راح ضحيتها 22 شخصا وإصابة 59 آخرين بينهم أطفال في انفجار هز قاعة «مانشستر أرينا «للاحتفالات بمدينة «مانشستر» ، وقالت سلطات لندن إن هجوم «مانشستر» نفذه شخص بعبوة ناسفة .
وأعلنت شرطة مانشستر أنها تعرفت على هوية منفذ الاعتداء ويدعى سلمان عبيدي (22 عاماً). وقال مفوض الشرطة، إيان هوبكينز، في تصريح للصحافيين «أؤكد أن الشخص الذي يشتبه بأنه ارتكب العمل الفظيع الليلة الفائتة تم التعرف إليه واسمه سلمان عبيدي» ، وهو من مواليد 1994 ليبي الاصل وصل طالبا للجوء بصحبة عائلته قبل عدة وكان طالبا في الجامعة. ينحدر من عائلة متدينة، والده امام مسجد، لكنه لم يكن داعما للجماعات المتطرفة.
وفي خطوة سريعةهذه المرة، تبنى تنظيم داعش يوم مايو 2017 23، الهجوم على قاعة حفلات بمدينة مانشستر البريطانية، لكنه ذكر رواية أخرى بشأن تنفيذ الهجوم .وأوضح التننظيم في بيان منسوب له أن الهجوم تم تنفيذه عبر عنصر ينتمي لداعش قام بوضع عبوات ناسفة في قاعة آرينا للحفلات. وكانت المعلومات الأولية رجحت أن يكون الاعتداء ناجماً عن هجوم انتحاري، في حين قالت الشرطة إن المهاجم قتل لحظة تفجير عبوة. واللافت أن بيان داعش الذي تبنى فيه الهجوم، لم يذكر أي معلومات عن المهاجم أو حتى كنيته كما دأب في بيانات تبنى الهجمات السابقة.
النتائج
جاء الهجوم بتوقيت حرج الى بريطانيا، ماقبل الانتخابات التشريعية في بريطانيا مطلع شهر يونيو 2017، وهذا من شأنه ان يغير موازين الانتخابات التشريعية. هذا النوع من الارهاب المتأسلم من شأنه ان يخدم اليمين المتطرف او اليمين في بريطانيا، المراقبون يتوقعون انه يصب في خانة رئيسة الحكومة «ماي» التي تتجه سياستها الى اليمين والى العزلة.
ان بريطانيا اصبحت اكثر عرضة الى تعرضها لعمليات ارهابية، بعد خروجها من الاتحاد الاوروبي، وهذا يعني ان ما كانت تتوقعه بريطانيا ان تكون اكثر امنا بخروجها، هو غير صحيح، وان امن بريطانيا لم يعد مهددا من الخارج ومن موجات اللاجئين والهجرة، لكن بريطانيا مازالت مهددة من الداخل. العمليات التي نفذت في بريطانيا وفي دول اوروبا في الغالب هم مواطنون تلك الدول.
فمازالت بريطانيا والى جانب دول اوروبا، غيرجاهزة بعد لمواجهة التطرف والارهاب، وهذا ماجاء في تقارير الاستخبارات المركزية واستخبارات بريطانية. فمازالت جماعات الاسلام السياسي المتطرفة تنشط على الاراضي البريطانية، بكل درجات تطرفها وانواعها. بريطانيا لم تحسم بعد موقفها للحد من تلك النشاطات.
وفي باب التحليلات فان سياسة بريطانيا تجاه هذه الجماعات ومنابر التطرف، مازالت متراخية، خشية منها ان تنعكس بعمل تلك الجماعات بتنفيذ نشاطات سرية وعمليات ارهابية ضدها، هذه الحسابات ايضا انعكست على مشاركة بريطانيا داخل التحالف الدولي، والتي شهد تراجعا. فمازالت هناك في بريطانيا مدارس «دينية» تدار من قبل مشايخ التطرف، تدرس فيها مناهج لاتمت للاسلام بصلة، وتحرض على العنف والتطرف، والانكى انها تحصل على الغطاء القانوني من داخل بريطانيا، تحت باب المدارس الخاصة او الجمعيات او المراكز الثقافية.
ومازالت الاستخبارات البريطانية ايضا متورطة في دعم جماعات متطرفة في ليبيا، والتي لم تعلن عن وجودها في ليبيا الا بعد فضائح وتسريبات وصلت الى وسائل الاعلام. السياسة البريطانية، من شأنها تنعكس على وضعها الامني.
وقعت العملية وسط تأهب امني داخل بريطانيا، الى درجة ماقبل حالة التأهب القصوى، ووسط اجراءات امنية مشددة واعتقالات، ووسط تحذيرات امنية واستخبارتية، صدرت من قبل اللجنة البريطانية الخاصة في مراقبة اجراءات وقوانين مكافحة الارهاب الجديدة وكذلك في اعقاب تحذيرات الاستخبارات المركزية، بان بريطانيا واوروبا مازالت لم تصل الى الحد المطلوب لمواجهة التهديدات، وان عام 2017، سيكون عاماً سيئاً الى بريطانيا واوروبا، يذكر بأن اخر عملية شهدتها بريطانيا هي حادثة ويستمنستر خلال شهر مارس 2017.
تعد العملية، نوعية ، تم التخطيط والاعداد لها بنحو جيد، وان منفذ او منفذي العملية استطلعوا المكان، وهذا مكن منفذ العملية، الوصول الى مدخل قاعة «ارينا»بطريقة ذكية والعبور بالعبوات الناسفة وتفجيرها. هذه العملية اختزلت جميع العمليات الارهابية التي شهدتها بريطانيا مابعد عام 2005، انفاق لندن الدموية. يكمن السبب في استعمال منفذ العملية متفجرات، وهذا مايطرح سؤال: كيف استطاع تصنيع هذه العبوات الماسفة، وكيف حصل على الخبرات؟
وهذا مايوجه اصابع الفشل الى الاستخبارات البريطانية: يجب ان تستشعر الاستخبارات بالعمليات قبل وقوعها، وان تتخذ اجراءات تعرضية و وقائية استباقية قبل حدوث مثل هذه العمليات، وذلك من خلال ماموجود لديها من قوائم المطلوبين على قائمة الارهاب او السجل الجنائي، المحتملين بالقيام بعمليات ارهابية، وهذا لم تحدده الاستخبارات، ماعدا ذلك ان الاستخبارات البريطانية لم تظهر أي بيانات حول خلفية التطرف عن عبيدي. الفشل امني ايضا تتحمله الشرطة البريطانية، كونها لم تكشف مرور المفرقعات او العبوات الناسفة التي كان يحملها سلمان عبيدي.
التوقيت، ايضا جاء مع عقد حفل غنائي في قاعة»ارينا» اكبر قاعة مناسبات في بريطانيا وثاني قاعة في اوروبا، مع وجود حفل داخل القاعة، بهدف ايقاع اكبر عدد من الضحايا. التنظيم يستغل مثل هذه المناسبات والقاعات المغلقة وكذلك الاماكن المفتوحة، وهي تعيد للاذهان تفجيرات قاعة» باتكلان»باريس نوفمر 2015، وتفجير كنائس اقباط مصر ابريل 2017 وتفجير ملهى ليلي في تركيا اعياد ميلاد 2017.

التوصيات
ان مكافحة الارهاب لايعني ابدا عسكرة الامن، ماتحتاجه بريطانيا، هو مراجعة وجود الجماعات المتطرفة على اراضيها، واعادة تقييم درجة التهديدات ضد امنها القومي. وبرغم ان بريطانيا اعادت بعضاً من سياساتها واصدرت قوانين جديدة منذ عام 2015، تمنح صلاحيات اوسع الى اجهزتها الاستخبارية، بالقيام باجراءات تعرضية ضد المشتبه بهم، فأن بريطانيا والى جانب دول اوروبا، مازالت لم تصل الى حد مواجهة الجماعات المتطرفة على اراضيها، وهذا يعني انها تحتاج الى تعزيز قدراتها في مجال الامن والاستخبارات الى جانب مواجهة التطرف والسلوك العنيف مجتمعيا، من خلال المناهج والتوعية والمنصات الاعلامية والتربوية والاجتماعية.

* باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة