هل هذا العالم هو الذي نتمناه؟ سؤال ساذج ومشروع أيضاً

عالمنا عجيب، وغريب، لحد انك لا تستطيع ان تجد من يتفق معك في الجواب على السؤال «هل هذا العالم هو الذي نتمناه؟» فثمة من يقول نعم هو، واخرون من يردون بالقول كلا، انه عالم تعيس، وغيرهم من يهز كتفه بلا جواب وكانك قبضت عليه متلبسا بالفيبوبة عن نفسه، والغياب عما يحيط به، والحال، قد نتخلى عن شعارات كررناها على معابر حياتنا من مثل «ما مضى هو الايام الجميلة» والخطأ في ذلك ليس خطأنا، فمن زاوية يبدو اننا ضحايا مؤامرة اعدتها اشباح وأقدار وبشر من سكان كواكب اخرى، والنتيجة، لا مفر من ان نتعايش مع ما يحصل ونتفاعل مع استحقاقاته، بجدارة المحبة والتسامح، والعزم على تحقيق المشاريع الضوئية المؤجلة، وقبل كل شيء ينبغي ان نُبقي شيئا ثمينا في ذاكرتنا بعيدا عن اللف والدوران: ازدراء برك الدم التي خوضنا فيها، وفي ذات الوقت الحذر من الاستغراق فيها وتجنب استذكارها بمناسبة ومن دون مناسبة، وفي انتباهة لرسول حمزاتوف، يقول، ان أبناء قريته في اقاصي داغستان كانوا قد هجروا نبعا من الماء كان قد شهد مذبحة لعشرين من نسائهم، وكان الجيل الثالث من ابنائهم يرتعبون ذعرا كلما مروا بالنبع، وكثير منهم يضطرون للمشي يومين بدل ان يسلكوا الطريق عبر النبع مخافة ان يتذكروا بشاعة المجزرة.
المشكلة ان الكثير من الكتاب، يهربون من حيثيات العصر الى الماضي، ويهجون هذا العصر، ولهم بعض الحق حين يتنقلون بين ثلاجات الجثث في المستشفيات بحثا عن امرأة أو اخ أو صديق أو عزيز القت بهم التفجيرات الى سيارات الاسعاف، بشرا كاملين او اجزاء من البشر. اقول، اننا نعجز، للوهلة الاولى، عن تحويل الفاجعة الى نص، لكن كتابا آخرين تمكنوا من ليّ الاقدار وكبح السقوط في العويل وكتبوا.. هكذا كان حال ايزابيل الليبدي يوم كانت جنب ابنتها التي كانت تلفض انفاسها الاخيرة بمرض السرطان، نصحوها ان تكتب لتتماسك، فكتبت.
أقول، أي عالم عجيب حل بنا؟ واية سنوات ضارية اغارت علينا؟ وماذا ينتظرنا من عالم واعوام؟ هل نتواكل على غريزة البقاء بمواجهة قوى الفناء والردة؟ اسئلة ساذجة لكنها مشروعة كفاية، لنسدد بعض دين في رقابنا منذ ان حضّنا يسوع على المسرات، وان يكون «خبزنا كفافا وعلى الارض السلام» وما نزال نرتاب في كل النصائح حيال عسر التاريخ إذ تهددنا الانواء المضطربة من كل جانب، متشبثين بالامنيات التي تتخذ شكل الحياة بمواجهة الموت، إذ نقف بين الموت والحياة، بين ان نستأنف مشوارنا على الخارطة، او ان نستقيل منها، اننا الآن وجها لوجه مع بعضنا. متعددون في الانتماء والعقائد والاديان والملل، وموحدون في الجغرافيا وفصيلة الدم وحنفيات الماء. نقبل بذلك لنربح الحياة، او نرفضه لنخسر انفسنا، وبمعنى ما، اننا سنخوض معركة في غاية الخطورة والحساسية لا تتحمل العبث، فالمروحة تدور بسرعة مجنونة، نعم،
اننا لا نعيش في ازمنة اعتيادية. الاستذكار مطلوب، والنسيان واجب، والاهم، علينا ان نعاين ما يجري من حولنا. البشرية تركض في كل الاتجاهات، فمن كان يصدق ان مقياس الترانزستر سيصل الى 50 نانومتراً، أي ما يقل بالفي مرة عن سُمك شعرة واحدة من راس الانسان؟ آنذاك، قبل سبعين سنة، بُني أول حاسوب إلكتروني في العالم بلغ وزنه 27 طناً وضم في جوفه عشرات الآلاف من الصمامات وعدة كيلومترات من أسلاك النحاس وبلغت تكاليفه عدة ملايين من الدولارات، وكان للمليون الواحد شأن.
ثم شهد العالم سلسلة من الثورات التكنولوجية في مجال الالكترونيات قبل التوصل الى ماسمي بالدوائر المتكاملة حيث استطاع العلماء تركيب مجموعة من العناصر الإلكترونية، شديدة التعقيد، على شريحة صغيرة من أنصاف النواقل وشاء هذا التحول ان يدخل كل بضائع الحياة من معلومات في تلك الشريحة العجيبة، بل انه فتح الطريق لسباق “مجنون” نحو المزيد من الاختراعات، التي بدت للمتابعين انها تتحقق على مدار الساعة.
قبل خمسين سنة لم يكن احد ليصدق بان تلك الشريحة السحرية ستقود العالم الى اعادة تنظيم فانتازية بحيث ستدار العديد من الدول من قبل «حكومات الكترونية» فالموظفون والمراجعون لن ينتقلوا من منازلهم، أما حامل جائزة نوبل العالم المصري احمد زويل فقد حذرنا من ان العالم مقبل على طفرة علمية يحال معها الانترنيت على التقاعد، وان مقاييس التطور العلمي والتكنولوجي القديمة ستنكسر، والمشكلة، كما كان يقول العالم الفرنسي اند
ريه ماري امبير قبل مايزيد على قرن ونصف القرن من الزمان ان ثمة بشرا لا يعرفون هذه الانباء ذات الصلة بحياتهم، وقد طور برناردشو فكرة امبير بالقول بان بعض البشر لا يريدون ان يعرفوا، اصلا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة