للكاتب المصري من أصول أرمينية توماس جورجيسيان عبارة معروفة وهي ( قل لي ماذا تقرأ؟ أقول لك من أنت) وهي بالرغم من شهرتها وأهميتها، إلا أنها تبقى عاجزة لوحدها عن كشف شخصية المرء وشيمه وتطلعاته الفعلية. من خلال جرد سريع لعينات مما يطلق عليه بـ (الانتلجينسيا) نجد غير القليل من قوارض الكتب بعيدون تماماً عما يجترونه من كتب وقراءات مختلفة، في سلوكهم ونوع تفاعلهم مع التطورات والأحداث وطبيعة القرارات والمواقف التي يتخذونها. صحيح أن نوع الاهتمامات والهموم التي تشغل بالنا توجهنا غالباً لقراءات تنسجم وإياها، لكنها لا تشكل بمفردها هوياتنا وشخصياتنا، ولأجل التعرف الدقيق على الأغوار الفعلية ولا سيما للشخصيات التي تتبوأ المسؤوليات المهمة والخطيرة في المجتمع والدولة؛ لا مناص لنا من إدراك أهمية التعرف على جوانب أخرى لا تقل أهمية عما أشرنا إليه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ نوع المقربين والمعتمدين لدى هذه الشخصيات، من مستشارين أو ملاكات لشتى مفاصل العمل، إذ ينضح عن ذلك ملامح الغايات الفعلية لما وضعوه نصب أعينهم.
من أنتم ؟ سؤال غاية في الأهمية يمكن أن يقدم لجيوش هيئات النزاهة والرقابة ومكتب المفتش العام وما يتجحفل معهم من إدارات ومؤسسات؛ خدمات لا تقدر بثمن، وتختصر لهم الكثير من هذه المتاهة التي يتخبطون وسط أمواجها الصاخبة. فمن خلال التعرف على نوع الحواشي المقربة من هذا المسؤول أو ذاك، يمكن التعرف بيسر على هويته وتطلعاته وإمكاناته الواقعية لا الاستعراضية وترسانتها في خلط الأوراق. لم يعد هناك أدنى شك بنوع الوشائج المتينة التي تربط الإرهاب بالفساد، لا بل الأخير أشد خطورة وفتكاً من الأول، وقد برهنت نكباتنا قبل “التغيير” وبعده على حقيقة ذلك. زمن المخلوق الذي انتشل مذعوراً من جحره الأخير، شاهدنا جميعاً حجم التصفيات التي نفذها بكل خسة ونذالة، ضد كل من يخالفه في الرأي أو يمكن أن يكون كذلك مستقبلاً، لذلك لم يبق في حاشيته غير المسوخ التي تجيد قول (موافج) لكل ما يصدر عن المسخ الضرورة. ومن سوء حظ سكان هذا الوطن المنكوب أن يتحول ذلك السلوك المشوه والمتخلف، الى منهج وتقاليد راسخة جعلت غير القليل من محظوظي حقبة الفتح الديمقراطي المبين، يهرولون الى ظلالها الوارفة.
وعلى العكس من مثالنا المحلي السيء، هناك مجتمعات ودول قدمت أمثلة مغايرة، تؤكد أهمية ما أشرنا اليه، فتجربة الشيخ زايد على سبيل المثال لا الحصر، في إدارة شؤون الإمارات العربية المتحدة، عبر اختياره الموفق لدائرة المقربين والمستشارين، جعلت من تلك الكيانات الضعيفة والمجهولة؛ دولة تستقطب اليها خيرة الخبراء والمتخصصين في شتى الحقول والمجالات، ومنها غير القليل من الكفاءات ورجال الأعمال العراقيين، بعد أن أصبح العراق بفعل اعتماد المعايير الشاذة؛ أكثر البلدان الطاردة للمواهب والخبرات والعقول. حقيقة مرة تكشف واقع ما وصلنا اليه بعد تلقف هذه الطبقة السياسية من شتى الخطابات والرطانات والزعامات لزمام الأمور فيه، إذ التشرذم في كل شيء إلا ما يعتمدونه من حواشي وبطانات كل موهبتها تكمن في رشاقتها بنقل عدتها من كتف الى كتف آخر، حواشي جديرة بإفشال أفضل المشاريع والتطلعات السليمة، حيث فلاتر “الأحزاب” الفاشلة ترشح للمغانم الحكومية أكثر ملاكاتها فشلاً..
جمال جصاني
من أنتم..؟
التعليقات مغلقة