شكر حاجم الصالحي
لا أظن ان احداً غيره , استطاع ان يجمع كل موجودات الطبيعة ويوظفها في نسيج نصوصه العديدة , والتي جسدت انتماءه لبيئته الزراعية ومفردات حياتها اليومية , اذ لا تجد نصاً له يخلو من تمثلات وصور الحياة الخضراء , فالاشجار الوارفة والمثقلة بالثمار يجاورها خرير الماء في سواقي الحقول , وتملأ اجواءها تغريدات البلابل وسقسقات العصافير وهديل الحمائم , ومن هنا تستطيع ان تنسب أي نص تقرأه حتى وان كان مجرداً من أسمه , ولا تحتاج الى وقت تدقيق وتحميص لتعلن رأيك , وتقول ان هذا النص هو لعادل الياسري الذي حاز ويحوز في معظم نصوصه على ان يكون شاعر الارض المزدهية بالاخضرار وابن بيئته الأمين على تفاصيلها , ومن يتابع اصداراته الشعرية التي انجزها يستطيع الجزم ان الياسري شاعر تفرد في انتاج نصوص باذخة الثراء بلغتها وبصدق مشاعره التي ظلت علامة فارقة تشير الى فرادته في هذا المضمار , فقاموسه الشعري يحتشد بكل ما نتمناه من صور وعلامات واشارات دالة على مهارة تكاد تغيب في ما نقرأه من شعر هذه الأيام , لان ما ينتجه الشاعر خلاصة تجربة يومية وملامسة تفصيلية لمفردات واقع متحقق في ذات الشاعر وفي خضم يومياته , فليست نصوصه المنجزة مستمدة من وقائع مفتعلة وكدح ذهبي مجرد من حياة نابضة بالحركة , ولأن الشاعر الياسري قد أيقن منذ بواكيره الاولى ان للشعر وظيفة ورسالة لابد من ايصالها الى قارئ معني بالاستجابة والتجاوب مع مضامينها, لهذا كله جاءت نصوص عادل الياسري ابنة الحياة ونبضها الدافق بالعمل والأمل عبر غنائية شفيفة نفتقدها في شعرنا الراهن, ولكي نؤكد هذا الزعم لابد من التعرف على عنوانات مجاميعه الصادرة:
ـــ لن يموت الورد / 2003
ـــ للورد .. وأنت / 2011
ـــ الورد دموعه ملونة / 2012
و أخيراً ـــ وردتها عرس الفراشات / 2016
ويمكن لي ان أطلق على الياسري لقب شاعر الورد من غير خشية ولا وجل , وهذا ما سيتضح للقارئ من خلال معاينة بعض نصوص مجموعته الأخيرة التي أخترتها للقراءة المنتجة , فهو في عشرين نصاً ضمتها المجموعة , يأخذ الورد مساحة واسعة من الحضور في متن نصوصه , ليس اعادة انتاج وتكرار ممل وانما ــ كما أرى ــ ابداع متواصل في صور متلاحقة من الجمال والصياغة والرؤى والأخيلة المبدعة … وسنلاحظ كمية مفردات الطبيعة التي احتشدت بها نصوصه , فهذا نصه (( اسئلة الماء )) يزخ رذاذاً ندياً و يملأ الانفاس عطراً شهياً اذ يقول :
ما نصف الجنان / حتى نكون لها واردين ؟ /
ـــ حديقة الورد / ميدان الطيور / جسر على سيسبول /
يحج له السّواح / منارتان هما لغز / ليس
ندركه / تهتزان معاً / فيعتري الواقفين وجوم/
دهشة / ــ ليس الذي قلت / به السرُّ
لا بالعابرين الى جبل / يصطفى به الحلم /
في هذه المواجع ( الاصفهانية ) التي نثرها الياسري في نصه هذا (( اسئلة الماء )) ينقل لنا تجربة معاشة اكتوى بجمال أصفهان ومساءاتها اللذيذة ولم يجد للتعبير عنها غير هذه اللغة الحالمة والمثقلة بصور واماكن شواهدها الحضارية , ولم تغب الورود ولا الماء وسيسبول عن رؤيته لها , فهو يرى اصفهان ــ الايرانية ــ في مخيلته امتداداً لشط ملّا في ريف طويريج العراقي , فكلا المكانين يزدهيان بالورود والالوان المبهجة وبالطيور والشواهد الجميلة , ومن هنا نتلمس مهارة الشاعر وحسن ادارته لمقود نصه المحلّق في سموات الأبداع وتجلياته وفي نصه (( بسمة الرّمان )) ينشر عادل الياسري مشاهداته في صور متلاحقة ومثقلة بالبهجة والحياة ـ فهو يقول :
سوق طهران / العباءات / تسكنها الازاهير/
الشالات تتسرب العصافير عليها / شجرٌ
يلمُّ الخطيئة / سيدي انت / ارتديت الحقيبة/
لم يكن جلدك ابيض / لكنها الشمس تصطاد
الفراشات / النساء العابرات قبل التبضّع/
رمقتك واحدة / في اذن سيدة / غلّفت
عهرها / ـــ عرب ــ / حوّمت بسمة / يسبح
الرمّان فيها / ازهر السوق / مرايا
هكذا إذاً هي تجربة عادل الياسري التي نسج مفرداتها في هذا النص الباذخ وبقية اشقائه واستطاع ان يؤكد من خلال هذه المجموعة وما قبلها من اصدارات ان النصوص التي تخلو من تجارب حقيقية لا حياة لها مادامت لا تلامس نبض قارئها , ولهذا فقد تألق عادل الياسري في (( وردتها عرس الفراشات )) مواصلاً التعبير عن حبه للحياة ولمفردات بيئته العراقية التي أمدته بكل هذا الجمال و الإبهار وتوجته شاعراً للورد بلا منازع وتلك هي من علامات ونتائج تشبثه بواقعه بعيداً عن الكدح الذهني والتهويمات اللغوية التي لا حياة فيها ………
عادل الياسري شاعر برهن على التصاقه بهموم الناس وصاغ لهم عبر نصوصه أجمل ما يتمنون لمستقبل رغيد وحياة آمنة في وطن تسكنه العصافير وتّلونه الورود.