مهرجان الحسيني الصغير لمسرح الطفل ..
بشار عليوي
أزعم أنَ التوجهُ نحو الطفل بكافة الأنشطة الاجتماعية والثقافية على اختلافها , هوَ الأكثر جدوى وفائدة إذا ما كُنا بالفعل عازمين على «الاستثمار الثقافي» في أفضل حالاتهِ لناحية مُخرجات هذا الاستثمار اللامادي , فكيفَ الحال ونحنُ نتوجهُ للطفل عبرَ المُمارسة المسرحية المبنية على أُسس مُمنهجة تعي تماماً أهمية رأس مال التطوير المُجتمعي الذي يبدأ بالطفل أولاً وأخيراً , فنحنُ ننحازَ وبكلِ قوة الى العروض المسرحية الموجهة للأطفال , وننحاز أكثر لجميع الجهود النبيلة الرامية للنهوض أصلاً بمسرح الطفل في بلدنا الحبيب .
لقد أصبحتْ التنمية ليست حَكراً على القطاعات المادية المعروفة في المُجتمع , وإنما أصبحَ للثقافة ومنها المسرح , الحضور الطاغي في الحصول على مُخرجات تلك التنمية المُجتمعية , ولعلَ مسرح الطفل واحد من أهم تمثلات علاقة المسرح بالتنمية , وأحسب أن القائمين على فكرة إقامة مهرجان دولي لمسرح الطفل وأعني تحديداً قسم رعاية وتنمية الطفولة التابع للعتبة الحُسينية المُقدسة بوصفهم مُنظمي (مهرجان الحسيني الصغير الدولي لمسرح الطفل) الذي أُقيمت دورتهِ الثالثة مؤخراً على خشبة مسرح قصر الثقافة والفنون في مدينة كربلاء , يَعوّنَّ تماماً هذهِ الجُزيئة المهمة التي غابت عن أنظار الكثير ممن يتصدون للشأن الثقافي والتربوي العراقي , وبالتالي فأن السعي قُدماً لتنظيم دورتهِ الثالثة لعام 2017 ما كانَ ليُصار لولا وجود عوامل نجاح سابقة بوصفها مرجعيات العمل التنموي المُرتجي من العروض المسرحية التي تضمها يافطة المهرجان المُعلنة , وبالتالي فإن مُجمل العروض المُشاركة العراقية منها والعربية انفتحت على ثَيَمْ مُتعددة بحُكم الواقع الحياتي المُعاش آنياً , فبالإضافة الى أن تلك العروض تعمل على إبراز قيم الشهادة والتضحية والكرامة المُستمدة من ماهية المهرجان أصلاً وتقديمها في قالب درامي مُحبب للأطفال , نجد أن ثمةَ انفتاح على المُتغيرات الحالية التي عصفت بحياتنا وتقف في المُقدمةِ منها تعرية جرائم الإرهاب الأسود التي طالت الجميع دون استثناء وإبراز قيم البطولة والشهادة لأولئكَ الأبطال الذين يُرغمون المُستقبل على المجيء ويُرغمون الموت على الهروب , الذين اكتسبوا لون الشفق ومنهم تفوح رائحة الكرامة والشهامة والبطولة إخوتنا في مُختلف صنوف القوات الأمنية والحشد الشعبي الذين يُحاربون عصابات داعش الإرهابية , فضلاً عن التأكيد على حقوق الإنسان والمواطنة الصالحة وحُب الوطن , وكُلها قيم حَفِلتْ بها عروض المهرجان الذي يبغي أولاً وأخيراً تفعيل مسرح الطفل في العراق في الوقت الذي شهدنا ونشهد على شبه الغياب التام لهذا المسرح عن حياتنا الثقافية العراقية . لقد عرفت هذهِ الدورة من المهرجان , مُشاركة تسعة عروض عراقية وعربية بالإضافة الى حضور باقة من النُقاد والمسرحيين العراقيين والعرب منهم د.جواد الأسدي من العراق ود.عجاج سليم من سوريا ود.عبد الكريم جواد من سلطنة عُمان وحافظ خليفة من تونس .. وآخرين , فقد كانت الجلسات النقدية التي شارك فيها عدد من النُقاد المسرحيين العراقيين , العنوان الأبرز في المهرجان بفضل ما شهدتهُ من طروحات نقدية واعية أثرت المهرجان بشكل عام , فيما تنوعت العروض المسرحية لناحية اختلاف طرائق تقديمها ومَرد ذلكَ أن مُنتجوها لم يصلوا بعد الى ناحية النُضج الفني بُغية التفريق وبدقة بين مسرح الطفل ومسرح الفتيان , إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الفروقات الشاسعة بين كَلاهما لناحية الفئة العمرية المُستهدفة فضلاً عن طبيعة الموضوعات المُقدمة لكِلا الفئتين ويجد كاتب السطور أن الآراء التي قيلت في الجلسات النقدية من أن بعض العروض لتصلح للكِبار وليس للصغار , هي تجني واضح على جهود ذاتية بحتة استطاعت أن تُقدم لنا عروضاً مسرحية عراقية فيها الكثير من الاشتغال والطاقات الأدائية الواعدة .
• عرض(لبيب والعم حمدان) , تأليف: عدي المُختار ,إخراج: ميثم بطران , تمثيل(طلال هادي/احمد ابراهيم/محمد صالح/قحطان الشمري/صباح محمد/رجاء تركي/سيف العبيدي) إنتاج قسم رعاية وتنمية الطفولة_ محافظة كربلاء, استطاع المُخرج أن يُقدم حكاية المسرحية التي تتحدث عن طفل لا يمتثل لنصائح وتعاليم والدتهِ , في قالب درامي مُحبب للأطفال عبرَ استثمار مُجمل مُعطيات الفضاء المسرحي فضلاً عن القدرات الأدائية العالية للمُمثلين(طلال هادي ورجاء تركي) .
• عرض(الآن ..هُنا), تأليف وإخراج: صادق مرزوك , تمثيل(صبا حاتم/كرار الديواني/الأطفال احمد حبيب وحيدر سلمان وحسن قاسم) أنتاج: فرقة المسرح الكوني_الديوانية , أكدَ هذا العرض على مبدأ العمل بعيداً عن التعكز على الماضي والتسويف للمُستقبل فالماضي وفقاً للعارفين هوَ قيد والمُستقبل وهم إذا لم يدعما بالعمل واستلهام الدرس البليغ من وقائع الماضي .
• عرض(درس الحياة) تأليف واخراج: فكرت جاسم , تمثيل(الطفلين نبأ عواد وحسن حيدر) إنتاج: فرقة أنكيدو للفنون المسرحية_ذي قار , هذا عرض سيعلق في الذاكرة طويلاً لإعلانهِ عن ولادة مُمثلين صغار في العُمر وكُبار في الأداء والحضور هُما نبأ وحسن , اذ قدمَ لنا فكرت جاسم وفريقهِ وجبة جمالية غنية هي واحدة من عروض المهرجان المُهمة , وفعلاً كانت درساً لنا في الاجتهاد والتميز حينما استطاع كِلا المُمثلين التفوق على نفسيهما بشهادة الجميع .
• عرض(مدينة العجب) تأليف وإخراج: ايثار الفضلي, تمثيل(علي جلاب/زيد كرار/حسين الصيدواي/آيات المنذر/نبراس الجصاص/الطفلة فاطمة علي محمد ومنتظر علي محمد) إنتاج: فرقة ألوان العراق_ النجف . العرض رحلة عجائبية الى مدينة العاب حيث السحر والغرابة المُحببة للطفل في قالب درامي مُشوق .
• عرض(وعاد السندباد) تأليف: عدي المُختار ,اخراج: ليث محمد الغريب, تمثيل(سيف حسام جاسم/اسعد الاسدي/سام مجيد كاظم/غزوان كريم العربي) انتاج: محترف ميسان المسرحي . يتحدث العرض عن علاقة الماضي بالحاضر من جانب الظلم عبرَ رحلة السندباد .
• عرض(نمول حُر) تأليف: وليد الزين, تمثيل واخراج: وليد الزين ومروان صلعاوي ,إنتاج فرقة ميتوس للإنتاج الفني _تونس , ينتمي هذا العرض الى اتجاه مسرحي جديد هوَ «مسرح الأشياء» الذي يوظف جُملةً من المُفردات/الأشياء مسرحياً عبرَ أنسنتها , إذ يهدف العرض الى ترسيخ قيم إنسانية مثلَ الحُب والخير والتسامح والتضامن من خلال رحلة يقوم بها نمول بشكل تفاعلي بين المُمثلين والجمهور مُستخدماً أدوات الطبخ بوصفها الأشياء المُمسرحة وأدوات كشخصيات رئيسية في العرض .
• عرض(أرجوكم لا تستهزئوا بهِ) تأليف: علي الخبار اخراج: وسام الخزعلي , تمثيل(كرار الصافي/محمد هادي/محمد صدام/محمود هُشام) , إنتاج كشافة الكفيل المسرحية_ كربلاء.
• عرض(أُمنيات) تأليف: جاسم المنصوري اخراج: علي جميل, تمثيل(مهند الطائي/باقر عبد الله/مؤمن أديب/أحمد الزيادي/حسين باسم/حسن كامل),انتاج فرقة ميتا مسرح_ السماوة, ينتمي هذا العرض الى مسرح الفتيان وهوَ من العروض التي أفصحت عن طاقات أدائية واعدة .
• عرض(المُهرج) تأليف واخراج وتمثيل: حافظ خليفة , انتاج فرقة تأنيت المسرح /ايطاليا
كُل الاحترام والتقدير لكافة الجهود النبيلة التي تقف وراء فكرة إطلاق وتنظيم وتواصل هذا المهرجان لعدة دورات , ونأمل لهُ بمحبةً أن يحجز لهُ مُبكراً مكانة بارزة في خارطة المهرجانات المسرحية العربية والإقليمية.