أول عمل عسكري في حقبة الحرب الباردة
واشنطن ـ بي بي سي:
اندلعت الحرب الكورية في الـ 25 من حزيران 1950، عندما اندفع نحو 75 الفا من جنود جيش الشعب الكوري الشمالي عبر الحدود مع كوريا الجنوبية والتي كانت تعرف بخط العرض 38، والذي كان يمثل الحدود بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية المدعومة من قبل الاتحاد السوفيتي الى الشمال، وجمهورية كوريا الموالية للغرب في الجنوب.
وكان الزعيم الكوري كيم إيل سونغ أعلن قيام جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في عام 1948، أي بعد 3 سنوات من زوال الاستعمار الياباني لشبه الجزيرة الكورية عند انتهاء الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان للحلفاء.
وكان الغزو الكوري الشمالي للجنوب أول عمل عسكري في حقبة الحرب الباردة.
وتدخل الأميركيون في الحرب في تموز 1950 الى جانب كوريا الجنوبية. وكان المسؤولون الأميركيون ينظرون الى تلك الحرب على انها حرب مع القوى الشيوعية العالمية.
وعقب كر وفر عبر خط العرض 38، دخل القتال مرحلة جمود، وتزايدت اعداد القتلى والجرحى دون أي نتيجة.
في غضون ذلك، كان المسؤولون الأميركيون يحاولون جاهدين التوصل الى هدنة مع الكوريين الشماليين، إذ كانوا يخشون أن البديل سيكون حربا أوسع نطاقا تشمل الاتحاد السوفييتي والصين أو حتى اندلاع حرب عالمية ثالثة.
واخيرا، وفي تموز 1953، وضعت الحرب الكورية أوزارها، ولكن ليس قبل ان تفتك بأرواح حوالي 5 ملايين شخص من مدنيين وعسكريين.
*الكوريتان
ينسب الى وزير الخارجية الأميركي ابان الحرب الكورية دين أتشيسون قوله «اذا حاولت افضل الأدمغة في العالم ان تجد لنا أسوأ موقع في العالم لخوض هذه الحرب الملعونة، لكانوا أجمعوا على كوريا.»
منذ بداية القرن العشرين وشبه الجزيرة الكورية جزء من الامبراطورية اليابانية التي احتلتها عام 1910.
أعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان في آب 1945 بعد ان توصلت الى اتفاق بهذا الشأن مع الولايات المتحدة، ونجح في تحرير كوريا الى حد خط العرض 38.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان على الأمريكيين والسوفيت الاتفاق على التصرف بممتلكات تلك الامبراطورية المدحورة.
وفي آب 1945، عمد موظفان صغيران في وزارة الخارجية الأمريكية الى تقسيم شبه الجزيرة الكورية متخذين من خط العرض الـ 38 اساسا لذلك.
واحتل السوفييت المنطقة الواقعة الى شمال هذا الخط، بينما احتل الأميركيون المنطقة الواقعة الى جنوبه.
وبنهاية عقد الاربعينيات، كانت دولتان قد نشأتا في شبه الجزيرة الكورية، ففي الجنوب، كان الديكتاتور المعادي للشيوعية سينغمان ري يتمتع بدعم أمريكي، بينما في الشمال كان الديكتاتور كيم إيل سونغ يحظى بمساندة السوفيت القوية.
ولكن لم يكن أي من الزعيمين راضيا بالبقاء في جانبه من خط العرض 38، إذ كانا يعتبران نفسيهما الممثل الشرعي لكامل كوريا، ولذا كثرت الاشتباكات الحدودية بين الطرفين واصبحت أمرا دارجا.
مع ذلك، فاجأ الغزو الكوري الشمالي للجنوب المسؤولين الأميركيين الذين كانوا يعتقدون أن النزاع ليس مجرد نزاع حدودي بين نظامين ديكتاتوريين غير مستقرين في منطقة نائية من العالم، بل كان الكثير منهم يخشون من أنه يمثل الخطوة الأولى من حملة شيوعية تهدف الى الهيمنة على العالم. ولذا، فالامتناع عن التدخل في الحرب لم يكن واردا بالنسبة للكثيرين من صناع القرار الامريكيين آنذاك.
في الـ 25 من حزيران 1950، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا اعتبر بموجبه التدخل الكوري الشمالي غزوا ودعا الى وقف فوري لإطلاق النار.
وفي الـ 27 من الشهر نفسه، أصدر مجلس الأمن قراره 83 الذي قرر فيه ارسال قوات دولية الى كوريا. هبت 21 من الدول الاعضاء في المنظمة الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وتركيا واستراليا واثيوبيا والفلبين ونيوزيلندا وتايلاند واليونان وفرنسا وكولومبيا وبلجيكا وجنوب افريقيا وهولندا ولوكسمبورغ) وساهمت في هذه القوات «الأممية»، التي شكلت القوات الأمريكية 88 بالمئة من قوامها.
قال الرئيس الأميركي (الديمقراطي) آنذاك هاري ترومان، «اذا خذلنا كوريا، سيواصل السوفيت تقدمهم وسيبتلعون البلد إثر الآخر.»
كان الصراع في شبه الجزيرة الكورية بالنسبة للأمريكيين رمزا للصراع بين الشرق والغرب، وبين «الخير والشر.»
ولذا، وبينما كان الجيش الكوري الشمالي يحتل العاصمة الجنوبية سول، أعدت الولايات المتحدة قواتها لحرب ضد الشيوعية بحد ذاتها.
كانت الحرب الكورية في أول الأمر حربا دفاعية تهدف الى اخراج القوات الكورية الشمالية من كوريا الجنوبية. لم يحقق الحلفاء الغربيون نتائج مرضية في المراحل الأولى. فقد كان الجيش الكوري الشمالي جيشا منضبطا ومدربا تدريبا جيدا ومزودا بما يحتاج من معدات وسلاح. أما قوات سينغمان ري، فكانت على عكس ذلك خائفة ومضطربة وميالة للفرار من ساحات المعارك في أي مناسبة.
كما دارت تلك المعارك في صيف ارتفعت فيه درجات الحرارة الى معدلات قياسية، بحيث اضطر الجنود الأمريكيون العطشى الى شرب الماء من مزارع الرز التي استخدمت فيها الاسمدة العضوية، ولذا اصيب الكثير منهم بالتهابات معوية وغيرها من الأمراض.
بنهاية صيف عام 1950، كان الرئيس الأميركي ترومان والقائد العسكري المكلف بالإشراف على القتال في الساحة الآسيوية الجنرال دوغلاس ماك آرثر قد اتفقا على اهداف محددة للحرب.تحولت بذلك الحرب الكورية الى حرب هجومية هدفها «تحرير الشمال من الشيوعيين.»
نجحت هذه الاستراتيجية مبدئيا في تحقيق اهدافها، فقد أفلح انزال برمائي في انشيون في كوريا الجنوبية في طرد الكوريين الشماليين من سول وانسحابهم الى شمالي خط العرض 38. ولكن، وبعد ان عمد الأمريكيون الى اجتياز الحدود والتوجه الى نهر يالو (الذي يمثل خط الحدود بين كوريا الشمالية والصين)، بدأ الصينيون بالتعبير عن قلقهم ازاء ما وصفوه «بالعدوان المسلح على الاراضي الصينية.»
ولذا قام الزعيم الصيني ماو تسي تونغ بإرسال قواته الى كوريا الشمالية وحذر الولايات المتحدة بضرورة الابتعاد عن نهر يالو الا اذا كانت تريد خوض حرب شاملة.
وبالفعل، وفي تشرين الأول1950، عبرت قوات صينية نهر يالو وانخرطت في الحرب الى جانب كوريا الشمالية.
أدى التدخل الصيني الى تقهقر «القوات الدولية»، التي انسحبت وواصلت تقهقرها الى اواسط عام 1951.
«لا بديل للنصر»
لم يكن هذا أمرا يريده الرئيس ترومان ومستشاروه، فقد كانوا متأكدين بأن توسيع الحرب سيؤدي لا محالة الى تحرك سوفيتي في أوروبا واستخدام أسلحة نووية وملايين الخسائر.
ولكن الجنرال ماك آرثر كان يرى أن أي حرب اضيق نطاقا من حرب شاملة تعتبر «تنازلا» للشيوعيين.
فبينما كان الرئيس ترومان يعمل كل ما في وسعه لتجنب الحرب مع الصينيين، كان ماك آرثر يبذل كل ما لديه من جهود لإذكاء حرب كهذه.
وأخيرا، وفي آذار 1951، بعث ماك آرثر برسالة لزعيم الجمهوريين في مجلس النواب جوزيف مارتن ،الذي كان يؤيد موقف ماك آرثر باعلان الحرب على الصين – قال فيها إنه «لا يوجد بديل للنصر» في الحرب على الشيوعية العالمية.
كان ماك آرثر واثقا بأن محتويات الرسالة ستسرب الى الصحف، ولكن بالنسبة لترومان كانت تلك الرسالة هي القشة التي قصمت ظهر البعير. وفي الـ 11 من نيسان/ 1951، طرد ترومان ماك آرثر بتهمة التمرد.
الحرب تصل الى طريق مسدود
في تموز 1951، شرع الرئيس ترومان وقادته العسكريون الجدد في مفاوضات للسلام جرت في قرية بانمونجوم الحدودية بين الكوريتين، ولكن القتال استمر في منطقة خط العرض 38 بعد ان تعثرت المفاوضات.
وكانت عقدة الخلاف بين الجانبين تتمثل في وجوب اجبار الأسرى الكوريين الشماليين والصينيين على العودة الى بلدانهم، إذ كان الصينيون والكوريون الشماليون يصرون على ذلك، بينما رفض ذلك الأمريكيون.
ولكن أخيرا، وبعد اكثر من سنتين من المفاوضات وقعت الأطراف المتحاربة على اتفاق للهدنة في الـ 27 من تموز 1953 سمح للأسرى بالتوجه الى البلد الذي يرغبون، ومنح كوريا الجنوبية مساحة أرض اضافية تبلغ مساحتها 1500 ميل مربع قرب خط العرض 38 وشكّل «منطقة منزوعة السلاح» يبلغ عرضها ميلان ما زالت موجودة اليوم.
الخسائر
كانت الحرب الكورية حربا قصيرة، ولكنها اتسمت بدموية استثنائية، فقد قتل فيها اكثر من 5 ملايين انسان اكثر من نصفهم من المدنيين شكلوا 10 بالمئة من مجموع سكان الكوريتين. وكانت نسبة الخسائر تلك اعلى من الخسائر المدنية في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام.
كما قتل في الحرب نحو 40 الفا من العسكريين الأمريكيين وجرح فيها أكثر من 100 الف منهم.