بالكتاب وحده تحيا العقول

مع كل ما مر به العراق من ازمات، قد يكون اصعبها دخول تنظيم ظلامي تكفيري، هو أقرب ما يكون الى شيطان موت، فهو لا يكتفي بإزهاق ارواح البشر فحسب، بل يقتل الروح في كل مفاصل الحياة، انه تنظيم داعش الذي تجاوز بقبحه صفة الارهابي، بعد الدمار الذي لحق بكل شبر ارض وطأته اقدامهم المحملة بغبار العنف، والتطرف، والتكفير. أصبح اليوم نداء تحرير العقول عاماً وشائعاً، لكن هل فكر أحدنا وبحث عن السبيل الاسلم لتلك العملية المجازية؟
تحرير العقل لا يمكن له ان يكون الا بالكلمة الواعية، الكلمة التي يمكن ان تنسف بلداً، وتحيي بلداً آخر، الكلمة التي من اجلها شُنت الحروب العالمية التي اودت بأرواح ملايين من الابرياء، وفي حوار مع الوليد حاكم المدينة المنورة، عن الامام الحسين “ع” قوله: ما دين المرء سوى كلمة، ما شرف الرجل سوى كلمة، ما شرف الله سوى كلمة، قضاء الله هو كلمة، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور.. الى آخر الحديث، تلك الكلمات التي بها ومنها يتحرر العقل من جموده وعناده، مأواها الوحيد هو الكتاب.
الكتاب هو الذي كان العدو الاول لداعش بوصفه نظاماً يسعى الى تجهيل العقول، وتحجيرها، وتوشيحها بلون واحد، يمثل لون افكارهم، ليحولوا الافراد الى اصنام تعبد كل ما يصدر عنهم من اوامر، حتى وان كانت تأمرهم بإزهاق روح بريئة، او هدم وطن، طالما عاشوا على ارضه، وتظللوا به مع اهلهم وكل احبائهم، هذا ما أقدم داعش على حرقه، كي يكون انتقاما من شيء اسمه الحياة، لقد احرق وخرب كل العناوين، كي يترك المدينة اطلالا، لكن ما أقدم عليه العراقيون يثبت ان داعش ليست منظمة ارهابية فحسب، لكن افرادها جهلة بتاريخ العراق، وجهلة بحقيقة ما يقبع داخل ارواح العراقيين، والذي يشع ويبرز نوره في وقت الازمات.
حملة التبرع التي يسعى الى المشاركة بها آلاف من العراقيين بجميع اصنافهم، الكتّاب، والكتبيين، والمواطنين ايضا، هي محاولة ذكية للبدء بالإعمار، فكما يقولون ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، فالكتاب هو أحد اسس الحياة الحقيقية، التي تميز البشر عن سائر الكائنات، وإعمار البلاد لا يتم الا بإعمار الروح والعقل، وليس أفضل من الكتاب ليكون الحجر الاساس الذي يبنى عليه العقل الناضج، والمتنور.
تحرير العقل العراقي ليس بالشيء الصعب فالجملة الشهيرة التي تقول “مصر تكتب ولبنان يطبع والعراق يقرأ” لم تأت اعتباطاً، او مجاملة لإحدى تلك البلدان، بل بنيت على اسس عديدة كان اهمها طبيعة العقل العراقي، وما يملكه من ثقافة ووعي، ميزته عن سائر البلدان العربية، ومؤخراً صارت بغداد تكتب وتطبع وتقرأ.
العقل العراقي هو من جملة اسباب التآمر عليه، لان الجمال يشير بنحو غير مباشر الى القبح، فليس غريباً اذن ان يشن الاخير حرباً عليه. لكن الأهم ان الجمال ما زال متوسداً روح الفرد العراقي، وينتظر ما يستفزه أكثر، لتنجلي حقيقته الجميلة وتظهر بصورتها المشرقة.
احلام يوسف

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة