وراء كل مصيبة أو مشكلة.. أحمق مُتحامق ! هكذا قال العارفون ببواطن الأمور والعالمون بخفايا وطبائع وسلوك المجتمعات وعاداتها، وقيل أيضاً “إذا رأيتم أحداً مصاباَ بالحمق أو يحمل صفات وتصرفات “الحمقى” فاحمدوا الله على ما أنتم عليه واشكروه على ما أنعم عليكم من نعمته “!
إن الضرر الذي يتسبب به “الأحمق” في العادة.. لا يصيب صاحبه فقط بل يتشظى لينال من الآخرين ويؤذيهم !
فقد حذّر الأولون من مرافقة أو معاشرة أو مجادلة “الحمقى” فقالوا.. لا تجادل الأحمق.. خشية أن لا يفرق الناس بينكما !
وقيل: اتق مُصاحبة الأحمق .. إنما الأحمق كالثوب الخلق، كلما رقعت منه جانباً.. صفقته الريح وهناً فانخرق !
يبدو أن حمقى العصور والحقب التأريخية السابقة أكثر حظاً من “حمقى” عصرنا الحديث بحسب ما وصلنا من أخبارهم وقصص “حماقاتهم” وجعلتهم الاكثر شهرة ونجومية برغم مضي عقود وقرون طويلة على وقوع أحداثها، ويعود الفضل في ذلك الى العلماء والمؤرخين والكتّاب واللغويين أمثال الجاحظ وابن الجوزي وأبي الفرج الأصفهاني وغيرهم.. ولعل أبرز الكتب التي تناولت شؤون الحمقى كتاب “أخبار الحمقى والمغفلين” لابن الجوزي الذي ضم أربعة وعشرين باباً، قام خلالها بشرح معنى الحماقة، وذكر أسماء الحمقى وبيّن صفاتهم، وحذر من صحبتهم، وأشار إلى من ضُرب المثل في حمقه، وذكر جماعة من العقلاء صدرت عنهم أفعال الحمقى فأصروا عليها مستصوبين لها فصاروا بذلك الإصرار حمقى ومغفلين.
الكتاب والمؤرخون في وقتنا الحاضر منشغلون عن “حمقى” العصر الحديث وعن قصص “حماقاتهم” وبطولاتهم وصولاتهم وجولاتهم التي أوصلتنا الى ما وصلنا إليه من أن “الدنيا ربيع والجو بديع” ! ويبدو أن أحد أسباب ذلك هو زيادة أعداد “الحمقى” في المجتمعات بنحو يصعب على المعنيين رصدهم واحصائهم وتوثيق “حماقاتهم” اليومية ، فضلاً عن انشغال الناس بوسائل الاتصالات الحديثة والتكنلوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي بجميع مسمياتها والتي أصبحت مالئة الدنيا وشاغلة الناس كما يقولون.. ما جعل أكثر أفراد المجتمع يقعون أسارى كل ذلك.. فالأحمق كما تعرفون هو ليس بعيداً عنا.. إنه موجود بيننا.. نصادفه أو نلتقيه في المحلة أو في مواقع العمل أو في سيارات الأجرة أو الأماكن العامة أو نشاهده يومياً في وسائل الإعلام والفضائيات أو في الشارع السياسي او في الفيسبوك او التويتروغيرها ، فالحمق .. لا يعرف صغيراً أو كبيراً، ولا غنياً أو فقيراً، ولا سياسياً أو مستقلاً، ولا صاحب منصب أو أجيراً .. ولا برلمانياً أو خفيراً !
عرّف أهل اللغة الأحْمَقُ بإنه: ( اسم ) وجمعه: حُمْق وحَمْقَى، المؤنث: حمقاءُ، والجمع للمؤنث: حمقاوات وحُمْق وهي صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من حمُقَ وحمِقَ.
قيل.. أَحْمَقُ الحَيِّ: أي الرَجُلٌ قَلِيلُ العَقْلِ فَاسِدُ الرَّأْيِ، الذي يَأْتِي بِأعْمَالٍ لاَ مَعْنَى لَهَا!
يُحكى أن أحد الحكماء نظر إِلى أَحْمَقَ جالس عَلَى حَجَرٍ فَقَالَ: حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ !
وقيل أيضاً: حمُق الرَّجلُ أي قَلّ عقلُه، فسَد عقلُه.. حتى قيل في المثل: “ربَّما أراد الأحمقُ نفعك فضرَّك” وقيل “ما يُداوي الأحمقُ بمثل الإعراض عنه” و “لكلّ داءٍ دواء يستطبُّ بهِ … إلاّ الحماقة أعيت من يداويها” وقيل “أحمق من نعامة” .. لأنها تحتضن بيض غيرها وتُضيِّع مبيض نفسها.
ومن علامات الحمق كما يراها الحكماء: العجلة، الخفة، الجفاء، الغرور، الفجور، السفه، الحسد ، الجهل، التواني، الظلم، الغفلة، الخيلاء، المكر، إن استغنى بطر وإن افتقر قنط، وإن فرح أشر وإن قال فحش، وإن سأل ألحّ وإن سُئل بخل.
قال ابن الأعرابي: الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت فكأنه كاسد العقل والرأي
فلا يشاوَر ولا يُلتفت إليه في أمر الحرب!
ومن صفاته كذلك أنه يحمُق لأَتْفَه الأمور أي يغضب ويتصرَّف تصرُّفَ الطّائش المتهور الغبي!
وإذا صادفكم أحد “الحمقى” بعد الانتهاء من قراءة هذا المقرمش.. فاحمدوا الله !
• ضوء
الأحمق.. هو من يُضيع في الشعارات عمره !
عاصم جهاد