طارق حرب
تذكر كتب التاريخ ان نهاية المائة الثانية للهجرة شهدت تطوراً واضحاً وملموساً في مسيرة الصيدلة اذ أصبح من المتعذر الاعتماد على شخص واحد فقط بالقيام بعملية الفحص وعملية اعطاء الدواء أي العمل كطبيب والعمل كصيدلي مما ادى الى ظهور محال لتحضير الادوية وكانت على شكل دكاكين تختص بالادوية في الاسواق ومارس العمل في هذه الدكاكين ممن لقبوا بالصيدلي.
ويذكر لنا القسطي أحد مؤرخي بغداد ان اول لقب صيدلاني كان يحمله ابو قريش الصيدلاني واسحق العبادي والد المترجم البغدادي المعروف حنين وكلمة صيدلي او صيدلاني تدل على الحاذق بجمع الادوية واختيار الاجود منها ومعرفة انواعها وعما إذا كانت تستخدم منفردة او مركبة على أفضل التراكيب.
وكلمة صيدلاني تعريب لكلمة جندلاني بقلب الجيم صاداً وكلمة جندن وجندل تدل على افواه الطيب وينسبون الكلمة ايضًا الى الصندل ذلك النوع من النبات وهذا يدل على ان الصيدلي هو الشخص الذي يجمع الاعشاب النافعة للتطبب.
ولقد ازدهرت هذه الفترة في بغداد بتطور عالمي الطب والصيدلة عن طريق تراجم ومؤلفات اقطاب هذين العلمين حيث ترجم اهل بغداد تركيب الادوية وقام بذلك حبيش بن الحسن والادوية المفردة وقام بذلك حنين بن اسحاق والادوية والدواء لعيسى بن اسحاق وغير ذلك من ترجمة كتب جالينوس الخاصة بالصيدلة والف ابو يوسف يعقوب بن اسحاق بن الصباح الكندي عدة كتب في الصيدلة في الغذاء والدواء والابخرة في الجو والادوية المشهية واسهال الادوية وتغيير الاطعمة والف ابو بكر الرازي كذلك عدة كتب في الصيدلة حيث كانوا يسمونه جالينوس العرب منها كتب الحاوي والادوية الموجودة في كل مكان والمادة الطبيعية ونادى بمقولته الطبية المشهورة التي يجب اعتمادها عند صرف الادوية الى المريض وفيها يقول (اذا قدرت ان تعالج بالاغذية فلا تعالج بالادوية واذا قدرت ان تعالـج بدواء منفـرد فـلا تـداوي بـدواء مركـب).
والف ابن سينا كتابه المشهور القانون الذي يتعلق بالعلاج والدواء والطب والصيدلة وليس القانون مفهومه المعروف وكتب ابن الزهراوي كتاب التعريف لمن عجز عن التأليف وكتب ابن جزلة الطبيب البغدادي منهاج البيان ولوجود دخلاء في مهنة الصيدلة فقد ساد في بغداد وجوب امتحان الصيادلة قبل عملهم كصيدلاني ويقول زكريا الطيفوري الطبيب ان الخليفة المامون وبناء على نصيحة من الاطباء اجرى اختبارًا للصيادلة لمعرفة الاصيل منهم الكفوء على هذه المهنة والدخيل الذي لا يعرف احكام هذه المهنة عندما سالهم عن دواء كعشب وذكر اسم مدينة يكثر فيها هذا الدواء فاجاب البعض بعدم المعرفة بهذا الدواء في هذه المدينة واجاب آخرون بمعرفة هذا الدواء من هذه المدينة في حين ان الحقيقة كانت لا يوجد مثل هذا الدواء في المدينة التي ذكرها الخليفة المأمون لذلك تمكن من معرفة الاصيل من الدخيل وتولى طرد الدخلاء على هذه المهنة واباح دمهم .
وقد فسدت ممارسة هذه المهنة من البعض الذين يقومون بغش الادوية او ابدال بعض الانواع الغالية الثمن بانواع رديئة فقد ظهرت في بغداد وظيفة المحتسب ونظام الحسبة حيث يكون امين الصيادلة من معاوني المحتسب الذي يشرف على تطبيق القواعد السليمة في ممارسة هذه المهنة والكشف عن الغش والتزييف فيها بحيث يشرف على خلط المركبات الصيدلانية من عقاقيرها ويراقب مدة انتهاء فعالية الادوية وتذكر بعض كتب الاحتساب ان هذا الامين شاهد بعضهم يصنع من القرع أي الشجر مربى ويبيع مرة على انه مربى زنجبيل وأخرى على انه مربى جزر لذلك تأكدت صلاحية الامين وسلطته في اختبار الادوية وفحصها في رأس كل شهر وفي كل دكان للصيدلة بحيث ,اذا وجد ان بعض الادوية قد نفدت المدة المقررة لصلاحيتها فانه يعمد الى اتلافها وقد ذكرت كتب الحسبة حالات كثيرة يتم فيها منع صاحب الدكان من بيع الادوية لاسباب تتعلق بجودة الدواء وانشئ في بغداد بيت الحكمة الذي كان فيه خيرة الاطباء والصيادلة وخيرة الكتب الطبية والصيدلانية ومنها المستشفيات حيث كانت المستشفيات بمنزلة معاهد عملية لتدريس العلوم الصيدلانية وتاثير الادوية على المرضى ومن اشهر المستشفيات في تلك الفترة مستشفى العضدي الذي كان في كرخ بغداد .
أول صيدلية في بغداد
التعليقات مغلقة