اذا ما انطلقنا من البديهية المعروفة بأن داعش في طريقه الى الهزيمة في الموصل وانه فقد ويفقد الارض والاغتصابات في مناطق أخرى فان الصورة ستبقى ناقصة من دون تأشير ان داعش سيستمر في ارتكاب جرائمه ومذابحه للمدنيين واستثارة الطائفية بواسطة خلاياه النائمة التي، لا شك، ان اقتلاعها سيكون صعباً من دون تعبئة سكان المناطق التي تتواجد فيها للمشاركة بهذه المعركة، وهنا بالتحديد تلعب السياسة وصراعاتها ومشاريعها,.
وبمعنى آخر ان الاستقرار الامني الناجز والدخول في مرحلة بناء ما خربته الحرب ضد الارهاب سيبقى على مرمى من التدابير السياسية وامكانيات تصويب المسار نحو مرحلة آمنة تتجه الى المعافاة,
وبمعنى اكثر دقة، هل الزعامات السياسية التي تدير معادلة الحكم والسياسة والمستقبل ستنقذ عملية التغيير والعملية السياسية وتمضي بالبلاد الى برّ الامان؟ سؤال يبدو ساذجاً لكنه في جوهره محوري، وذو صلة عضوية بمستقبل هذه البلاد، يطرحه الكثيرون علينا، ونطرحه على انفسنا.
البعض منا يذهب الى ان الوقت مبكر لمعاينة اهلية هذه الزعامات لدور خطير مثل كفالة انقاذ البلاد، وسيكون وارداً بعد ان تستتب الامور ويندحر الارهاب وتبدأ مرحلة اعادة البناء، والبعض الآخر يعتقد بان اصحاب القارب الذي يحمل مصائر البلاد استنفدوا شحنتهم ومعداتهم، وقدموا ما بوسعهم، ولم تعد لديهم كفاءة الاضطلاع بادارة المرحلة اللاحقة بعد ان اخفقوا في النهوض الجماعي بواجب ادارة معارك الدفاع عن الامن والسيادة، وبين اولئك وهؤلاء الكثير من القراءات والاراء، غير انه حتى ذلك اليوم الذي تعكف فيه العقول الحية على التقصي المسؤول عن «قدرة» هذه الزعامات على تحمل المسؤولية بعيدًا عن الانانيات، فان بين ايدينا (أولا) اشارات لوم مهمة اطلقتها المرجعية الدينية في النجف حيال ما اسمته باحزاب السلطة او قيادات القوى السياسية (وثانيا) اشارات وفيرة عن تعنت هذه الطبقة وعدم استعدادها للتنازل، او التنازل المتقابل، او التخلي عن المحاصصات الفئوية الضيقة كفاتحة لعبور الازمات السياسية و (ثالثا) ثمة الكثير من طعون الفساد مسجل في مسؤولية بعض هذه القوى وتشمل الكثير من البطانات والاتباع والوكالات التابعة لها، و(رابعا)
والحال، اننا سنكنشف انه بموازاة الازمة السياسية في البلاد ثمة ازمة اخرى اكثر استعصاء تتمثل في تبعثر الرؤى السياسية للنخب وتضارب الارادات والتوجهات ما عبرت عنه مشاريع التسوية السياسية المقترحة من قبل الاطراف المختلفة، وعن الامر الذي نعنية بعنوان الكلمة، الازمة في الازمة.
***********
بريخت:
«ليس شرطا أن تظل الأشياء على ما هي عليه لأنها كذلك الآن».
عبدالمنعم الأعسم
أزمة في أزمة
التعليقات مغلقة