في منتدى العراق «شباب وتعايش»
سمير غطاس
بعقوبة، العراق- لطالما عُرفت محافظة ديالى ببرتقالها ووفرة محاصيلها من الفاكهة، بيد أنها دفعت خلال السنوات الأخيرة ثمناً باهظاً من جّراء الإرهاب والعنف والانقسامات الطائفية. لذا فليس من المستغرب أن تلقى كلمة «المصالحة» صدى واسعاً لدى الشباب في هذه المحافظة التي تقع شمال شرق بغداد وتضم خليطاً عرقياً وطائفياً متنوعاً.
وهذا ما يفسر عقد المنتدى المتنقل «العراق: شبابٌ وتعايش» في ديالى، لكي يُمنح الشباب فرصة النقاش -وأحياناً الجدال- بشأن القضايا التي تحتل مكانة خاصة في نفوسهم وتقديم التوصيات والتعبير عن المخاوف التي تساورهم، وذلك أسهم بلا أدنى شك في إثراء النقاشات الرامية إلى معرفة آراء جيل الشباب حول المصالحة.
ويُعدُّ منتدى ديالى، والذي أقيم في 25 آذار 2017، الرابع في سلسلة منتديات للشباب تقام في أرجاء البلاد، وترمي إلى التعبير عن صوت الشباب، وذلك لدورهم الحاسم في رسم الطريق إلى تعايش سلمي في عراق المستقبل. ومنذ كانون الثاني 2017، جاب المنتدى عدة محافظات بدءاً بمحافظة البصرة، تلتها النجف ثم أربيل، وشهد مشاركة ما يزيد على 400 شاب وشابة من المحافظات التي استضافت المنتدى والمحافظات المجاورة. وستقام المنتديات المقبلة في محافظات السليمانية وكركوك وبغداد وصلاح الدين، قبل أن تتوج هذه السلسلة بمؤتمر وطني شامل يعقد في بغداد خلال شهر أيار، ويحضره ممثلون عن منتديات الشباب من جميع تلك المناطق لإدراج التوصيات الصادرة عن تلك المنتديات في القرارات التي تدعم عملية المصالحة والتعايش.
وكما هو النهج المتبع في جميع هذه المؤتمرات، انقسم المشاركون في منتدى ديالى إلى مجموعات عمل للتداول والرد على الأسئلة التي طرحت حول ما يتطلعون إلى رؤيته في عراق المستقبل وسبل إسهامهم في ذلك. وناقش المشاركون في نهاية الاجتماع ألردود التي أدلوا بها واعتمدوا مجموعة من التوصيات.
وكانت رندة جواد كاظم إحدى المشاركات في منتدى ديالى من ضمن 68 شابا وشابة من الفئة العمرية 18-35 عاماً والذين ناقشوا مجموعة الأسئلة التي طرحها منظمو المنتدى وهم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بالتعاون مع جمعية الأمل العراقية.
وقالت رندة، التي تبلغ من العمر 26 عاماً وهي خريجة جامعية، إن مجموعة العمل التي كانت جزءاً منها لم ينقصها المعرفة أو الحافز. وأضافت في حديثها للمكتب الإعلامي التابع للبعثة «يمتلك أفراد المجموعة آفاقاً واسعة للتفكير وهم مثقفون. كما أن لديهم مبادرات بشأن الحوار ومقترحات من شأنها ان تعود بالنفع على المجتمع». واختتمت حديثها بالقول إن «الحافز هو العنصر الأكثر أهمية، ومن دون لا يمكن تحقيق أي شيء».
ولم يغب ذلك عن المشاركين في المنتدى إذ انهمكوا في نقاشات حامية، بيد أنها كانت نقاشات ودية، حول عدة قضايا شملت صياغة النص والتفسير والتعليم وتشريع وتنفيذ القوانين وتجريم التحريض الطائفي وإنهاء نظام المحاصصة وخلق فرص العمل والتوعية من خلال الحملات الإعلامية ومنح دور أكبر للشباب في مكافحة التطرف ونبذ الطائفية. وقال مشاركٌ مخاطباً زملاءه «نحن مجتمع نريد أن نعيش بسلام»، وأضاف «كيف لنا ذلك؟…من خلال تعزيز المصالحة الوطنية».
وتحدث مشاركٌ آخر بانفعال عما شهده الماضي من عنف، قائلاً: «لقد نزف العراق بما يكفي». وركز أحد المشاركين على الفائدة الاقتصادية التي تتحقق باستتباب الأمن والاستقرار، ضارباً لمثلٍ عندما تعرضت شبكة توزيع الكهرباء في المنطقة للتخريب، حيث لم تُقدِم أي شركة كهرباء على المجيء لإصلاحها أو أن تستثمر في المنظومة الكهربائية بسبب إنعدام الأمن. وأردف قائلاً «إن دعم استتباب الأمن يشجع الاستثمار في العراق».
وكان لدى المشارك محمد ماجد، وهو مصور فوتوغرافي يبلغ من العمر 21 عاماً، توضيح– وحل أكثر بساطة، إذ قال «إن جميع المشكلات التي يعاني منها الناس، من قبيل التعايش السلمي واللغة المُثقلة بالخطاب الديني والعسكرة وسائر القضايا السلبية، كلها ترتبط بالوعي، وكل ما علينا القيام به هو أن نرفع مستوى الوعي».
وقالت هديل عدنان حسن إن الوقت لم يتسع لمناقشة جميع القضايا على نحو موسع، ولكن برغم ذلك فأنها متفقة تقريباً مع جميع التوصيات التي خرجت بها مجموعة العمل التي تنتمي اليها. وأضافت هديل، والتي تبلغ من العمر 28 عاماً وتحمل شهادة جامعية في المحاسبة، أن «الفائدة تكمن في إيصال توصياتنا وإسماع صوتنا».
وعبر البعض عن شكوكهم، قائلين إنه لن ينصت الى ما يقوله الشباب إلا القليلون على أية حال.
وللتأكيد على حالة الإحباط التي يعيشها الشباب، اقتبس أحد المشاركين في الجلسة الختامية بيتا شعريا لأحد الشعراء العرب جاء فيه « لقد أسمعْتَ لو ناديْتَ حيّاً، ولكن لا حياة لمن تنادِي».
وخاطب السيد خضر مسلم حافظ، مقرر مجلس محافظة ديالى والذي حضر ممثلاً عن المحافظ، خاطب الشباب خلال الجلسة الافتتاحية قائلاً «لقد آن الأوان للإنكباب على كيفية إعادة اللحمة الوطنية وتوحيد الكلمة بنِيّة صادقة وإرادة قوية». كما أثنى خلال الجلسة الختامية على جهود الشباب قائلا لهم: “إن توصياتكم هي خطوة جبارة»، داعياً إياهم لطرح أفكارهم وشواغلهم على مجلس المحافظة.
بدوره، طمأن نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية والانتخابية السيد جورجي بوستن، طمأن الشباب بأن توصياتهم ستنقل الى بغداد وستُقدم الى رئيس الوزراء لمراعاتها في جهود المصالحة المستقبلية.
وقال السيد بوستن: «كل مقترحاتكم ستصل الى أعلى المستويات. هناك آراء كثيرة ، وأحياناً متناقضة، ولكنها تخدم القضية المشتركة. إن التحديات في هذه المحافظة المتميزة – حقيقة يقال أنها عراق مصغّر- هي تحديات حقيقية، ونحن نريد للمحافظة، كما نريد لكل العراق، الاستقرار والازدهار».
بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق – يونامي