غوغاء

يهرعون الى مواقف، تأييد او مخاصمة، من دون دراية بالامر وخلفياته، ويزايدون على اصحابه، ولا يتراجعون حين تظهر الحقائق ، ذلكم هم الغوغاء في التعريف المدرسي.
في كتاب (العزلة) لأبي سليمان البستي مقاربة عن (الغوغاء) يقول:
عن ابي عاصم النبيل ان رجلا أتاه، فقال له: إن امرأتي قالت لي «يا غوغاء». فقلت لها: إن كنتُ غوغاء فأنت طالق ثلاثاً، فما العمل؟ فسأله ابو عاصم النبيل:
ــ هل انت ممن يحضر المناطحة بالكباش والمناقرة بالديوك؟
قال: (لا).
قال ابو عاصم: هل انت الرجل الذي إذا خرج الحاكم الظالم يوم الجمعة جلستَ له على ظهر الطريق حتى يمر، ثم تقيم مكانك حتى يصلي وينصرف؟
قال الرجل: لا.
قال ابو عاصم النبيل للرجل: لستَ من الغوغاء، إنما الغوغاء من يفعل هذا.
قبل ان تستعملها آلة القمع الهمجية للدكتاتورية كانت كلمة الـ»الغوغاء» تعني ما تعنيه في بطون كتب المعاجم وفي اصول المصطلحات وفروع المعاني، حيث يأتي ذكر الغوغاء في الانعطافات والفواجع ، ويظهر اقبحهم في الغيوم السياسية الملبدة ومراحل انحطاط القيم، كما يظهرون على حواشي الساسة والمهووسين بالمناصب والجاهات والمتآمرين: انهم يجلسون على الارصفة بانتظار من يصفقون له، ومن يستقوون به، ومن يسعون اليه.. ولا يتورعون عن الايذاء أو ارتكاب المنكر أو العصيان أو شهادات الزور، ولا عن معارضة محسوبة بالسحت الحرام، أو عن ولاء طمعاً بالمنن المُذلة والوعود الفارغة.
والغوغاء نرصدهم في الثقافة مثلما في السياسة، فهم بارعون في المديح، متطرفون في الهجاء. يزنون «النص» بعيار التكسب، ويبيعون «الضمير» بالمفرق والجملة.
حاضرون في الصخب والفوضي، ومتصدرون في الولائم والفضائيات. يغيرون على هذا من غير دالة، ويدافعون عن ذاك من دون حق. أصواتهم أعلى الاصوات، وشتائمهم أرخص الشتائم. يتقدمون حيثما يكون التقدم مضموناً بالسلامة، وينسحبون حيثما يكون الانسحاب مكفولا بالنجاة.
لنرصد الغوغاء بين الذين يصفقون للزعيم لقاء أجر او جاه او منصب، وبين الذين يجلسون على قارعة الطريق ينتظرون مرور أحدهم ليوغلوا صدره ضد الخصوم ، والذين احترفوا إقامة حفلات التشهير والتعدي على الاسماء والمقامات.. والذين ولعوا بفنون تجهيز الروايات والاخبار المغشوشة.. اولئك الذين يعرضون خدماتهم على ورق اصفر، ويحملون اسماء وصفات كثيرة باكياس الزبالة.
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة