علي حسن الفواز
النقد سلطة، مثلما هو فاعلية ابداعية، وما بين السلطة والابداع، تتبدى الكثير من المظاهر التي تخصّ توصيف الوظيفة الثقافية، ووضع الناقد في سياق هذه الوظيفة، وبما يعزز العلاقة الاجرائية الثقافية التي تتوسّع على وفقها مديات الفاعل النقدي..
النقد النصيّ، ليس هو النقد السياقي، ولا حتى النقد التأملي، لأن هذا النقد يعني بالأساس مقاربة فاحصة للنصوص، لاسيما تلك التي تتطلب قراءات معمقة، ورؤيا قادرة على الكشف، وهو ما يعني ضرورة الأفكار في النص النقدي، لأنّ خلو هذا النص من الأفكار يقلل من قيمته، ومن أهميته..
إنّ فكر الناقد يعني إبداعية هذه النصوص، وأنّ نزوعه لتحويل هذا الفكر الى وظيفة يعني تميّزه، وجدّته، وقدرته على التجاوز، والذي يُعطي للنص النقدي حيويته، وفاعليته في توليد الأسئلة، تلك التي تنزع عنه الرتابة من جانب، وتجعله في حالة اصطدام دائم مع السياقات الحاكمة، ومن هنا تتبدى فاعلية توصيف النص النقدي، ومايتعلق بها، من تقانات تخصّ الأسلوب، وبناء الرسالة وحمولتها، فضلا عن أنّ تجديد هذه الوظيفة أو تحفيزها سيجعلها أكثر قوة، وأكثر أهمية في التأسيس، والقراءة، وصولا الى تعديل موجّهات القراءة، وفي تداولية المقروء، وكذلك في صياغةٍ أكثر تجاوزا وإثارة لما يحمله السؤال النقدي. وبقدر ما نرى في فاعلية الكتابةِ مقصديةً أخرى، فإننا ندرك تماما ضرورة تعالق هذه المقصدية بحيازة الحيوية واللذة، مثلما هو انشغالها بوعي موضوعة المنهج، والذي قد يكون متعسفا عند البعض، أو أنه يتحول الى مصدّ لتعويق الفعل الوظيفي، أو قسره في معيارٍ يُفقده القدرة على المغامرة، والمراوغة، وعلى تحجيم الخوض في ما يجعله أكثر خصبا ودينامية..
تحولات المشهد النقدي ترتبط بفاعلية النص النقدي، وبخصوصية ترسيم هذا النص، عبر فاعليته في المتابعة، وفي النظر بموضوعية الى معطيات هذا المشهد، في واقعيته، وفي تغايره، وفي آفاقه، إذ كثيرا مانجد في بعض الكتابات النقدية اهمالا وتهميشا لشمولية المشهد، وفي التعرّف على مدياته الواسعة، وبالشكل الذي يُعطي للناقد سلطته، وللسلطة القيمة الرمزية والثقافية، وحتى الرسالية..
النقد ليس وظيفة لسانية مجردة، وعلى وظيفة توصيفية فقط، بل هي فاعلية ثقافية أكثر شمولا، وأكثر حضورا في مقاربة النصوص، وفي التعريف بها، وبنسقياتها المضمرة، وبتأويلاتها وبتحولاتها، ومن هنا تتضح أهمية سلطة الناقد، وخصوصيته في أنسنتها، وفي توظيفها في سياقات الحاجة والضرورة، والكشف، وبما يجعل السؤال النقدي هو المدخل الحقيقي للتعرّف على مجريات العمل الأدبي، الكشف عن حمولاته، وأحسب أنّ هذه الخصوصية هي أيضا ما يرسم للناقد أفقه، وهويته، وتميزه، وحضوره في المشهد، ليس قارئا نوعيا حسب، بل بوصفه فاعلا في صياغة تبديات وتشكّلات فاعلية النص والتعريف به..
الناقد العراقي اليوم في رهانات صعبة، لأنه أكثر مواجهة مع التاريخ، ومع كثير من الهيمنات التي فرضتها أنماط مؤسساتية وأديولوجية، والتي انعكست على هوية النقد وتوجهاته، وحتى أساليب كتابته الواقعية المباشرة، وسياقته الأيديولوجية الضاغطة…