تعدد الزوجات هو الحل..!

هذا ما اكتشفته إحدى نائبات مجلس النوّاب العراقي مؤخراً، بعد أن عجزت جميع الوصفات المحلية والدولية لمعالجة الملف الشائك للأرامل العراقيات، والذي يزداد تورماً يوماً بعد آخر، بفعل حروب وسياسات الذكور، وطبقاً للشعار الذي أطلقته في مؤتمرها الصحفي (نقبل بعضنا شريكات من أجل كرامتنا). بعد بحث وتنقيب وحفريات واسعة في هذا الملف، وجدت النائبة الحل المجرّب لحفظ “كرامة” الأرامل عبر سنّ تشريعات تحفّز الذكور للزواج بأكثر من امرأة، وبإسناد ودعم مادي ومعنوي من قبل الحكومة العراقية، تشريعات تضع نصب عينيها مهمة حماية الأرامل من المصير المجهول الذي يتربص بهن..!
بالرغم مما تتضمنه مثل هذه المواقف والتصريحات من إساءة للعراقيين بنحوٍ عام ونضال المرأة العراقية من أجل الكرامة والحريات بنحوٍ خاص؛ إلا أنها تعكس حقيقة وطبيعة القوى التي أوصلت المجتمع والدولة العراقية الى ما هو عليه اليوم من عجز وفشل على شتى الجبهات والحقول المادية والقيمية. بؤس ومرارة مثل هذه المواقف تكمن في صدورها من ممثلي كوتا النساء في السلطة الأولى (مجلس النوّاب)، ذلك الكوتا الذي وجد أصلاً من أجل تقليص شيء من الحيف والظلم التأريخي الطويل الذي استفرد بالنساء طوال حقب العبودية والاستبداد والإذلال، لكنه تحول الى ما يشبه “حصان طروادة” داخل قلعة النساء العراقيات، بعد أن تم اختيارهن من قبل حيتان حقبة الفتح الديمقراطي المبين، وعلى أساس المعايير المعتمدة لدى تلك الكتل المتنفذة.
إن هذا الحل (تعدد الزوجات) هو جزء من منظومة شاملة للحلول، طفحت وانتشرت بعد ما يعرف بـ (الصحوة الإسلامية) وقد وصلت بها داعش الى سنامها الأعلى (ما ملكت أيمانكم) حيث شاهد العالم كله المآثر الداعشية في حفظ وصيانة كرامة النساء من الحرائر والإماء والسبايا وبقية التسميات والتصنيفات التي يعاد تدويرها بهمة فرسان وفارسات الصحوة الإسلاموية، من شتى المدارس الفقهية والاجتهادات المسكونة بفتوحات الأسلاف وعجاج الرسائل الخالدة.
إن حل مثل هذه القضايا الاجتماعية والمأساوية التي تخلفها الحروب والسياسات المغامرة البعيدة عن الحكمة والمسؤولية، لم يعد يحتاج لمثل هذه الحلول والاجتهادات الفنظازية، المنحدرة الينا من مغارات تورا بورا ومراكز دراسات العشائر في إقليم وزيرستان وغيرها من المضارب المنقطعة عما حصل مع سلالات بني آدم منذ أكثر من ألف عام وعام. الحلول والسبل المجربة معروفة وثمارها اليانعة، جذبت اليها الملايين من سكان مناطقنا المنكوبة بمثل هذه العقول والحلول، ملايين واجهت الأهوال في سبيل الهروب بما تبقى لها من كرامة للعيش كبقية البشر الذين أهدتهم شرعة حقوق الإنسان فرصة استرداد إنسانيتهم التي أهدرتها قرون من سياسات التمييز بشتى أشكالها وعلى رأسها قيم الهيمنة المطلقة للذكور. تأتي هذه التصريحات مترافقة والمناسبة التي تسللت بصمت بين خرائبنا (يوم المرأة العالمي) ومن على المنبر الخاص بإعلام مجلس النواب، لتكشف عن حجم اغترابنا عن العالم وتحدياته الواقعية. لا يحتاج مثل هذا الحل (تعدد الزوجات) الى جهد كبير كي نكتشف مدى مفارقته لمنظومة القيم التي ارتقت لها الأمم الحرة والدول الحديثة، يكفي أنه اليوم جريمة تحاسب عليها كل التشريعات التي وصلت لسن التكليف الحضاري، عبر مشوار طويل ومرير انتصاراً لقضايا الإنسان العادلة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة