إنهم يصنعون الأوهام

الذين يزعمون انهم سيصححون مسيرة البلاد، وكنا قد جربناهم، وبين ايدينا الكوارث التي احلّوها في البلاد، انما يحاولون صناعة الاوهام وتسويقها باقل ما يمكن من المهارات واكثر ما امكنهم من الضجيج، والخشية ان يقع جمهور كبير في شراك هذه الاوهام، حينها يوجب الحذر، وتلزم الدعوة الى التأمل.
فالصناعة هي صناعة، كما يقول تشارلس كامان صانع طائرات الهليوكوبتر الشهير، اما الاوهام فهي مرض لم يكتشف العلم علاجاً له حتى الآن، سوى وجوب الاقامة بمصحات بالنسبة للذين يعانون من اعياء التفكير في ما لاطائل منه، ومنذ القدم لاحظ العالم اليوناني هيبوقراط أن الإعياء الذي لايعرف له سبب ينذر بمرض ، وان الذي يوخزه شيء من بدنه ولايحس بوجعه في أكثر حالاته فعقله مختلط ، والإحساس بوجود مرض من دون التوجع منه يشير إلي علة في القوي الإدراكية.
وفي الغالب لا تصبح الاوهام صناعة رائجة إلا حين يكون وراء ذلك مصلحة، او مشروع سياسي، او ترتيب في امور البلاد والامم من الخارج، فان تعصيب العيون وتبليد العقول وتعطيل مفاعيل الارتقاء والنشاط الجمعي للتغيير لا تتم من غير فاعل او منظومة من شعارات التخويف التي تتاجر بغفلة الملايين، حين تقبل ان تتمتع برزاياها وكوارثها.
الى ذلك، فان للاوهام، منذ القدم، صناعات وماركات ومصالح، وبراءات اختراع، ويتطور انتاجها وتسويقها في مسارات معقدة حتى بلغت عصر النت والحكومات الالكترونية والعلم في موصوفات مناهضة لحقائق الاشياء وللواقع، والحال، ليس بالضرورة ان يكون صانعو الاوهام موهومين، فثمة الكثير ممن يعمل في هذه الصناعة موظفون في مؤسسات اعتبارية، سياسية ودينية وطائفية، مهمتهم حشر الملايين في غيبوبة الهرب الى الوهم، وهم، بالضرورة، يمتلكون بعض مواهب الصنعة، وقليل من تقنيات الاقناع، واساليب الوصول الى جموع الضحايا، فضلا عن «ثقافة» تناسب هذه الوظيفة، وتؤهل صاحبها لفرصة عمل غير منتجة عنوانها: تجهيل الجمهور حتى تدمير صفاته الانسانية والنوعية، وليصبح مريضاً في داء لا دواء له.
اخطر ما في «صناعة الاوهام» انها تعيد انتاج بضاعتها الفاسدة من دون كلفة سوى خيبة ضحاياها بعد فوات الاوان.

********
الزمخشري:
«البراطيل تنصر الاباطيل».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة