دعاء

فاقد حسين الحمداني

جدي الذي اعتاد أن يمزق سكون الليل بسعاله الحاد .بعد كل نفس دخان عميق يأخذه من سيجارته ذات التبغ الرخيص التي لفتها يداه المرتعشتان بإتقان . يدعو الله كثيرا لنا كل حين, أن لا يسلط علينا أولاد الحرام .وأن يسكن من روع صدره الذي نخره البؤس .وبالرغم من خواء معدته المجدبة التي لاتكل من صوت نحيبها المزمن للطعام في اغلب الأوقات .الا انه كثيرا ما يشكر الله على نعمة العافية التي لا يحتفظ جسده الواهن بشيء منها سوى الفتات المبعثر على لسانه .على احد جدران بيتنا الهرم توجد صورة كبيرة معلقة تعود لجدي .أطرها بحكاياته التي حفظنا تفاصيلها لكثرة اجتراره لها كلما اجتمعنا حوله ,حكاياته التي تشبه أساطير القياصرة وفرسان الغزوات أو ربما فاقهم بشجاعته وإقدامه كما يخيل لنا.كان حريصا جدا على تلميع زجاجها بكوفيته عند كل صباح .تلك الصورة التي يظهر فيها وهو جالس بروية وثبات وامامه بالقرب من قدميه منفضة مليئة بأعقاب السجائر وقدح شاي فارغ تجمع حوله الذباب .الديك الذي يقف خلفه فوق الجدار لا يبدو انه فارق الفجر منذ امد بعيد. بل يقف منتفخ الصدر وبساقين طويلتين رشيقتين. ابتسامة جدي الواسعة التي تشق وجهه الشاحب ذا التجاعيد المتشابكة ,تكشف عن ضرس وحيد يكسوه السواد مازال ثابتا فوق فكه السفلي .دشداشته البيضاء التي كان يرتديها أيضا تبدو غير بالية ولم تتضح عليها ندب الحروق الذي يخلفها شرر تبغه المتساقط. .اراه سعيدا في هذه الصورة التي التقطت .منذ خمس سنوات وبضع ادعية عصر يوم قائظ من على سطح الدار قبل ان تتآكل رئتاه ويموت.
وكلما آل مصيرنا الى ابن فاجرة جديد تذكرت دعاء جدي واجتاح سمعي سُعاله رغم سنوات موته الطويلة..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة