داود كتاب
أستاذ سابق في جامعة برنستون
كان من المفترض أن يركز الاجتماع الذي سيجري هذا الأسبوع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ــ وهو أول لقاء جميع الزعيمين منذ تولي ترامب مهام منصبه ــ على رغبتهما المشتركة في فسخ الاتفاق النووي الإيراني. بيد أن قرار الكنيست الإسرائيلي ذا الأثر الرجعي بتقنين المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي بنيت في الضفة الغربية المحتلة سيقتضي على الأرجح إعادة ترتيب الأولويات. وعلى محادثات ترامب ونتنياهو أن تتطرق إلى فلسطين.
كان ترامب مؤيداً صريحًا لإسرائيل، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم وجه نقداً عنيفاً لقرار الرئيس باراك أوباما آنذاك الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة الاستيطان الإسرائيلي غير المشروع بدلا من استعمال حق الفيتو ضد القرار.
ومع ذلك كانت إدارة ترامب تأمل تأجيل المراهنة على موقف واضح من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ــ وبشكل خاص، ما يتعلق بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ــ إلى ما بعد الاجتماع الأول للرئيس مع نتنياهو. بيد أن إسرائيل حولت هذا الأمل إلى مستحيل، فقد أعلنت، بعد بضعة أيام من تنصيب ترامب، خططها لبناء مستوطنات جديدة، مما اضطر الرئيس الجديد إلى الاعتراف بأن خطط إسرائيل «لا تساعد» عملية السلام.
غير أن هذا التصريح المعتدل لم يزعج الهيئة التشريعية الإسرائيلية، التي سرعان ما اتخذت خطوة أخرى للأمام بإضفاء الشرعية على مصادرة الحكومة للأراضي التي يملكها فلسطينيون لبناء آلاف المنازل للإسرائيليين في الضفة الغربية. وبرغم إمكانية إلغاء المحكمة الإسرائيلية العليا لهذا القرار، يُنظر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع كضربة قاصمة لحل الدولتين.
منذ زمن بعيد تقف 200 مستوطنة يهودية خالصة بنيت على الأراضي الفلسطينية عقبة كأداء أمام التعايش السلمي بين الجانبين كدولتين مستقلتين. وبرغم ذك، وعلى مر السنين، بذلت إسرائيل أقصى ما في وسعها لعقلنة هذا الواقع وبنحو خاص مع الولايات المتحدة.
وتدعي إسرائيل أن الكتل الاستيطانية الواقعة بالقرب من «الخط الأخضر» (حدود ما قبل 1967) لن تمنع قيام دولة فلسطينية متاخمة ذات سيادة بزعم أن مبادلة الأراضي مسألة ممكنة. ولأن الحكومة الإسرائيلية لم تعلن بعد شرعية هذه البؤر الاستيطانية تحديداً، لذا يمكنها مواصلة الزعم، وإن يكن بشكل مراوغ، بأنها تؤيد إجراء اتفاق نهائي.
لكن هذه القصة ليست مقنعة على الإطلاق. ففي المحصلة النهائية، لم تسمح الحكومة الإسرائيلية بوجود هذه البؤر الاستيطانية التي يُفتَرَض أنها لا توافق عليها فحسب، بل أمدتها أيضا بالمياه والكهرباء والإنترنت والحماية العسكرية.
ولا يغيب هذا عن أذهان القيادات الأميركية. ففي شهر أبريل/نيسان المنصرم قال وزير الخارجية الأمريكي السابق أمام الكونجرس الأميركي إن المحادثات المباشرة بين إسرائيل وفلسطين «تبخرت فجأة» حين أعلنت إسرائيل عن بناء 700 وحدة سكنية جديدة للإسرائيليين في الضفة الغربية. وبحلول شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2016 سمح أوباما لمجلس الأمن بالأمم المتحدة بالتصويت على القرار الذي حاول ترامب سحبه والذي يعلن أن بناء إسرائيل للمستوطنات يشكل «عقبة رئيسة» أمام حل الدولتين.
وليس من العسير تصور ما يشعر به المفاوضون الفلسطينيون حين يصطدمون بعدد لا حصر له من المستوطنات الإسرائيلية القائمة على أراض كانوا يعملون على ضمها في دولة مستقلة. ولا شك أن أملهم هذا يتضاءل أكثر حين يرون الجرافات تصل تباعا لتمهد الأرض لبناء مستوطنات جديدة ــ وهو حدث كثيرا ما يتكرر. ولقد تضاعف عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في مستوطنات يهودية خالصة في الضفة الغربية ثلاثة أضعاف منذ التوقيع على مذكرة التفاهم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993.
في كل الأحوال، يبدو أن إسرائيل قد أسقطت الآن الأقنعة، ففي لندن في مطلع هذا الشهر رفض نتنياهو ثلاث مرات الإجابة على أسئلة الصحافة حول دعمه لحل الدولتين. وقال مؤخرًا إن أقصى هدف له هو حصول الفلسطينيين على «دولة فلسطينية منقوصة» محدودة الحجم والسيادة.
ولا يكتفي نتنياهو بقبول الفلسطينيين بالفعل لفكرة أن الدولة الفلسطينية (في الضفة الغربية وغزة) ستضم 22% فقط من فلسطين التاريخية. بل يريد جعلها أصغر حجماً، ويريد تجنب منحها حقوقها السيادية الأساسية كالسيطرة على الأرض والهواء والمياه والمعابر الحدودية. وهو يراهن الآن على ترامب ليفسح أمامه الطريق لتحقيق هذا الهدف.
في محاولاته لإقناع ترامب، سيواصل نتنياهو بالطبع الادعاء، ببراعة بائع السيارات المستعملة، بأنه مهتم بالسلام، فهو يعلم علم اليقين أن جاريد كوشنير، صهر ترامب، الذي كلفه الرئيس بمهمة التوسط في السعي إلى التوصل إلى اتفاق، لا يحظى بأي فرصة لتحقيق النجاح. غير أن هدف نتنياهو الحقيقي هو أن يحظى بدعم ترامب للمشروع الاستيطاني.
وعلى إدارة ترامب الاستعداد لمواجهة نتنياهو بطرح أسئلة صعبة، ما هي رؤية إسرائيل لمستقبل الأراضي المحتلة ووضع ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون هناك؟ كيف تخطط إسرائيل للهرب من المأزق الناجم عن التزامها بالدفاع عن المستوطنات وتوسيعها؟ وكيف ستواجه إسرائيل المعارضة الكوكبية المتنامية لنظام الفصل العنصري الفعلي المتمثل في حرمان الفلسطينيين في إسرائيل وفلسطين من ذات الحقوق السياسية التي يتمتع بها اليهود الإسرائيليون؟
سنرى ما إذا كان ترامب سيتبنى هذا النهج أم لا، رغم أن هذا يبدو مستبعداً. بل أنه حتى قد يشترى «الحقائق البديلة» التي يبيعها نتنياهو، أما الفلسطينيين فلن يشتروها. فبينما هم بلا شك غير سعداء بالخطوة الأخيرة للكنيست، إلا أنهم يشعرون أيضاً أنهم كانوا على حق وكان لديهم المبرر حين أكدوا على مر السنين أن نوايا المفاوضين الإسرائيليين غير المبالين بحل الدولتين كانت خبيثة خلال التفاوض.
والآن وقد أمتلك الفلسطينيون مزيداً من البراهين، فعلى الأرجح أنهم سيغيرون نهجهم السياسي، مركزين اهتمامهم على الأوضاع الأشبه بالفصل العنصري السائدة الآن. لقد مات حل الدولتين، وسيفضي اعتراف إسرائيل بهذا إلى إعادة الحياة إلى النضال من أجل الحقوق السياسية الفلسطينية في دولة واحدة.
ترامب والمأزق الفلسطيني
التعليقات مغلقة