انه لأمر محزن ان تخرج التظاهرة الشعبية التي شهدتها ساحة التحرير وسط بغداد صباح السبت الماضي إلى مسارات لم تكن محسوبة ، ذلك لأننا لم نستوعب الدرس في عرضه الاول ! .. ومن المؤكد ان الاعراب عن الاسف والإعلان عن القلق او افتعال الغضب لن يغير من الامر شيئًا .. المشكلة اننا مهما حاولنا تفكيك المشهد العراقي إلى مقاطع يسهل قراءتها واستنباط المفيد منها وجدناه معقداً ومتداخلا ، ففي الوقت الذي كان المتظاهرون يتوافدون إلى ساحة التحرير ، كانت قواتنا الامنية وحشدنا البطل يقاتلون هناك في الموصل بشراسة وبطولة فائقة لتحرير الارض من دنس الدواعش ، وهنا في الضفة المقابلة لساحة التحرير حيث المنطقة الخضراء ثمة صراع يصل إلى مستوى التسقيط وتهشيم الاذرع كلما اقتربنا من موعد الانتخابات .. وبين هذه الجبهات المتباينة تتصاعد وتيرة الاحداث في ساحة التحرير لنفاجأ باستعمال القوات الامنية للغازات المسيلة للدموع ، ثم ما لبثت ان لجأت إلى الرصاص الحي من اجل تفريق المتظاهرين الذين قام البعض منهم بمماحكة تلك القوات ، لا ، بل ، وحسب الرواية الحكومية ان بعض المتظاهرين كانوا يحملون اسلحة نارية وسكاكين وتسببوا باستشهاد احد افراد الاجهزة الامنية وجرح 7 آخرين ، فيما كانت الرواية الاخرى تقول : إن أربعة من المتظاهرين استشهدوا وأصيب اكثر من 300 متظاهر بإصابات مختلفة وراحت مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل صورًا دموية قيل انها تعود لمتظاهري ساحة التحرير ، ثم جاءت وزارة الصحة لتعلن ان اطباءها تلقوا تهديدات من البعض لإجبارهم على اصدار شهادات وفاة مزورة لمتوفين على انهم توفوا بفعل اصابات تعرضوا لها في ساحة التحرير!!..
ووسط هذه التناقضات الحادة يجدر بنا ان نسعى جاهدين لتفكيك المشهد – وان كان الامر صعبًا – .. وهذا التفكيك ينبغى ان يبدأ من تحليل الاسباب الكامنة وراء هذا الاصرار على خروج المتظاهرين وتحديهم لأصعب الظروف ، ودعونا نقف عند تظاهرات السبت ، اذ لكل تظاهرة اسبابها ، .. فقد كان السبب المعلن هو الدعوة لتغيير مفوضية الانتخابات ، بعد ان حددت الحكومة 16-9-2017 موعداً لإجراء الانتخابات المحلية في المحافظات ، في حين ان عمر مفوضية الانتخابات الحالية سينتهي يوم 20 من الشهر نفسه أي قبل اسبوعين من موعد الانتخابات ، وقد بدأ مجلس النواب ورئاسة الجمهورية خطوات عملية لتغيير المفوضية وقانون الانتخابات قبل حلول ايلول ، ما يعني اننا سنشهد صيفاً انتخابياً شديد السخونة !.. ولهذا اعتقد ان الامر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض ، فقد سبق أن شهدت بغداد تظاهرات عارمة وصلت إلى عقر العملية السياسية المتمثلة بمجلس النواب ومكتب رئيس الوزراء ، ولكن في نهاية المطاف لم نشهد ذلك التغيير الذي يمكن ان يتناسب مع حجم وتأثير تلك التظاهرات .. فالعملية السياسية تحكمها مزاجات يحميها الدستور ، ولذلك من الصعوبة ان تتطابق تلك الامزجة لتنتج لنا مفوضية انتخابات ليست محاصصاتية ، وهنا يقفز مؤشر الالم إلى اعلى مستوياته ، فمن ذا الذي يتحمل وزر تلك الدماء التي سالت في ساحة التحرير ؟ ومن يداوى جراحات الامهات الثكالى ، مادام ان العملية السياسية تسير على وفق ما يريد لها حماتها ؟ .. المشهد معقد ومؤلم وفيه الكثير من القسوة والمفاجآت.
عبد الزهرة محمد الهنداوي
التحرير.. دماء ودموع!
التعليقات مغلقة