ماجد عبد الرحيم الجامعي
معروف , ان عصرنا اليوم , هو عصر الفضائيات المتطورة وعصر الهوائيات وعصر الانترنت , وان من يمتلك هذه الوسائل يمتلك بالنتيجة الحتمية وسائل تغيير العالم … والرأي العام عبارة عن ضرب من سلوك أفراد في تكوين فكرة او حكم على موضوع أو شخص ما , أو مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش , بغض النظر عن كونها صحيحة أم لم تكن كذلك ..
وقد قال هتلر ذات مرة , بعد خطبة طويلة استغرقت ثلاث ساعات , سلط فيها الضوء على ما يريد بطريقته الخاصة : « ان الجميع هم الآن تحت ابطي , لأني أخذت بمشاعرهم السمعية والبصرية , واستعداداتهم النفسية .. والخطبة التي استغرقت مني ثلاث ساعات , جعلت الناس كشمع العسل بيدي « .. وهكذا كان ينظر الطاغية الى لعبة الاعلام واثرها النفسي في قولبة الاتجاهات والهاب المشاعر الحماسية …
فالرسالة الاعلامية , وان كانت تحمل بذور سموها ونبلها , الا انها قد تمارس دورا هداما في المجتمع , حينما توظف بطريقة خبيثة .. ويظل الفرق بين الاعلام الملتزم والاعلام الآخر , شاسعا وقائما بدوام بقاء الانسان وتنافر النزعات , ويبقيان يتجهان كل حسب وجهته التي اختارها , وضمن خطين متوازيين لا يلتقيان مهما امتدا … ولكن الاعلام الصادق , كونه وسيلة للوصول الى المكانة الراقية والدور المتماسك المطلوب , يشكل جانبا حيويا من جوانب الحياة الحضارية , وأحد عوامل القوة في الامة ..
وفي زمننا الحاضر , حيث تستمطر الجمرات , على مرأى ومسمع من العالم كله , ونشيح بأعيننا , ونحن نشاهد فيلما يحكي عن مجزرة ارهابية وهابية , في حين يستمتع المرء بنظره , وهو يشاهد لوحة ( غرنيكا ) لبيكاسو , بالرغم من ان اللوحة تجسد الرعب ذاته …
فعلى كل حال .. ان الابواق الاعلامية , المرتبطة مصيريا باجندات خارجية , تستهلك كامل طاقاتها المتاحة للاضرار بالواقع الحياتي لمجتمعاتهم , تطمينا لرغبات الاعداء الممولين للاتباع الاقزام المتخاذلين , من ذوي النفوس المتهافتة على الدولار والكراسي الوثيرة … وان قصة هؤلاء , وهم يتعاملون مع الخبر والمعلومة المفبركة كقصة قاطع الطريق ( بروكست ) الذي تذكره الخرافة اليونانية : ( انه كان يرقد ضحاياه على سرير , فاذا كانت الضحية أطول من السرير قطع رجليها , واذا كانت أقصر قطعها ومدد اعضاءها …)
ولكن رحلتنا مع الوعي , تنطوي على الثراء والتنوع .. ولا يمكن ان تتساوى في منظارنا للاشياء من حيث المعاني والمباني .. ما دامت فطنتنا تتسلم الايحاءات , وتخضعها لغربلة الصورة الذهنية المتوقدة , فنحن شعب الكلمة والحرف , والسيف والاباء , وقد خبرنا اشكال النشر التي ظهرت في الحضارات القديمة والوسطى والحديثة , ولا نقبل ان تكون الاحداث عابرة , او مجرد تسجيل انطباعات بسيطة , لزمن كان ورقة خريفية …
ومن هنا علينا ان نتحصن بمبادئ حب الوطن والشعب , وان نعمل على اخراس الاصوات المنادية بفك وحدتنا وقطع آصرة لحمتنا المجتمعية , فلا فرق بين مذهب ومذهب آخر ولا قومية وقومية أخرى , الا بمقدار الولاء للوطن الواحد , ولا محل بيننا لأجير موظف لخدمة نوايا الاعداء في الداخل والخارج وهو يعمل على اثارة الأزمات والنعرات , ويحاول النيل من وحدة شعبنا وأرضنا وحكومتنا التي يقودنا على رأسها الى بر الامان عدد من المخلصين الشرفاء ..