التقدم السريع للمسلحين «السنة» في العراق يضع إيران أمام خيارات صعبة

طهران تحاول تحقيق مكاسب من اتفاق البرنامج النووي

بغداد – مؤيد بسيم:

تحاول إيران اتخاذ قرار متماسك ردا على التقدم السريع الذي يحرزه متشددون في العراق لكنها تواجه سلسلة معقدة من التحالفات والعداوات التاريخية لتحقيق ذلك.

وأرسلت المؤسسة الدينية الشيعة في طهران رسائل متباينة بشأن التعاون مع الولايات المتحدة، وهي راع آخر لرئيس وزراء العراق نوري المالكي وتشتركان سويا في هدف الحيلولة دون تقسيم العراق.

وبعد عقود من التنافس مع حلفاء واشنطن من «السنة» من أجل النفوذ، تأمل طهران في الارتياح من العقوبات الأمريكية من خلال إبرام اتفاق بشأن برنامجها النووي خلال الأسابيع القليلة القادمة وترغب في تفادي القول بأن دفاعها عن القوات غير السنية في بغداد وسوريا ولبنان وأماكن أخرى يشجع على حرب إقليمية طائفية.

وقال مسؤول كبير على صلة وثيقة بالزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي، «بالنسبة لإيران فإن المصالح الوطنية لها الأولوية دائما على الانقسامات الدينية.. اهتمامنا الأساسي الآن هو حماية مصالح الأمة الإيرانية».

وتندد إيران بالمتشددين السنة الذين يتعهدون بارتكاب مذابح ضد الشيعة بوصفهم «كفارا»، لكن القيادة الإيرانية لم توفر جهدا في التأكيد على الرغبة في التعايش مع الطوائف الاخرى والذي أصبح الآن عنصرا أساسيا لانتقادها للمالكي.

وقال المسؤول «ندعم المالكي حتى الآن.. لكن إخفاقه في تشكيل حكومة تضم كل الأطياف أدى إلى حدوث فوضى في العراق. دعمنا سيكون مشروطا ومحدودا».

وحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما المالكي على ضم الأقلية السنية التي فقدت نفوذها عندما أطاحت القوات الأمريكية بصدام حسين الذي أيدته واشنطن بشكل تام ضد إيران خلال العرب العراقية-الإيرانية التي دارت في ثمانينات القرن الماضي.

لكن طهران وواشنطن لا تستطيعان الآن فيما يبدو الاتفاق على كيفية تحقيق هدفهما المشترك المتمثل في هزيمة المتشددين وتهدئة السنة المعتدلين واستقرار العراق حتى وان كان كل منهما أشار إلى أن التنسيق مع الآخر سيساهم في وضع خطة.

والنتيجة هي ان إيران والولايات المتحدة تبحثان عن استراتيجية سياسية وعسكرية مشتركة لصد هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في شمال العراق والذي بدأ في العاشر من يونيو حزيران المنصرم.

وقال كريم سجادبور، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومقرها واشنطن، «هدف إيران في العراق هو العودة إلى الوضع الذي كان قائما والمتمثل في حكومة تهيمن عليها الشيعة وذات توجهات عقائدية تستطيع إيران الاعتماد عليها كشريك صغير».

وأضاف، «لكن السؤال الكبير هو، هل مثل هذا الوجود الفردي سيكون مقبولا لدى كل من إيران والفصائل السنية والولايات المتحدة؟».

وهذه ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه إيران. فالوضع المثالي بالنسبة لطهران هو منع أي دور موسع للولايات المتحدة في العراق ومع ذلك فقد أشارت إيران في ظل الحاجة إلى اعتراف أمريكي بها كقوة سياسية اقليمية إلى انها قد ترحب بشراكة محدودة وهادئة مع واشنطن في الدفاع عن بغداد.

وكانت إيران تأمل في بادئ الأمر ان تستطيع من خلال مساعدتها للمالكي بالأسلحة والمعلومات المخابراتية احتواء الأزمة. وحثت طهران المالكي على تشكيل حكومة اكثر شمولية تضم السنة. ولكن مع استمرار الأزمة تزايدت الشكوك حوله ويقول محللون ومسؤولون إن طهران باتت تبحث عن بدائل.

وقال مسؤول أمني إيراني كبير أكد على ان أي رئيس وزراء جديد يجب أن يكون صديقا لطهران « لدينا بضعة أسماء في أذهاننا وناقشنا قائمتنا مع حلفائنا في العراق.

ومما يعقد المشهد تلك الخلافات العلنية المتكررة بين المواقف التي يتخذها المسؤولون الإيرانيون.

ويتهم خامنئي الغرب وحلفاءه من دول الخليج العربية بدعم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام للاطاحة بحكومة بغداد واستعادة الهيمنة السياسية السنية.

لكن مسؤولين أخرين أشاروا إلى ان الأزمة في العراق تمثل فرصة لنزع فتيل عداء مع واشنطن أضر بالبلدين وأفاد أعداءهما من الإسلاميين السنة في القاعدة وحركات أخرى.

وقال مسؤول إيراني كبير اخر، في إشارة إلى الولايات المتحدة، «لدينا مصالح مشتركة وأعداء مشتركون».

وأضاف، «نواجه تهديدات أمنية مماثلة في العراق. لا يمكن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط بدون تعاوننا».

واتخذ الرئيس الإيراني حسن روحاني نهجا مهادنا «للشيطان الأكبر» منذ انتخابه قبل عام رغم انه ما زال خاضعا لخامنئي في تحديد السياسة الخارجية.

وأشار إلى إمكانية التعاون مع الولايات المتحدة في العراق إذا تصدت واشنطن «للإرهاب» في المنطقة في انتقاد لدعم حلفاء للولايات المتحدة مثل السعودية وقطر للإسلاميين السنة الذين يقاتلون حلفاء لإيران في دمشق وبغداد.

وقال سجادبور، «وفقا لهذه الديناميكية الغريبة، فإنه حينما يتعلق الأمر بالعراق فإن الولايات المتحدة وإيران يكونان حلفاء ولكن ليسوا أصدقاء».

وتدعم واشنطن الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من إيران لكنها سحبت دعمها بعد هيمنة الإسلاميين على صفوف المعارضة. ويحث المسؤولون الأمريكيون الرياض على استخدام نفوذها لدى السنة في العراق لإقناعهم بالانضمام إلى حكومة ائتلافية في بغداد.

وتعاونت الولايات المتحدة وإيران عسكريا في السابق. فقد قدمت إيران دعما مخابراتيا وسياسيا عندما غزت القوات الأمريكية أفغانستان خلال حكم طالبان عام 2001 لكنها فوجئت بعد ذلك بأشهر قليلة بأن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن يصفها بأنها جزء من «محور الشر» إلى جانب العراق في عهد صدام وكوريا الشمالية.

وكتب تريتا بارسي رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي في الآونة الأخيرة « كان بالإمكان تجنب الفوضى في كل من أفغانستان والعراق اذا اعترفت واشنطن بالدور الذي يمكن ان تلعبه إيران لتحقيق الاستقرار ما لم يتم التعامل معها على انه منبوذة».

ولكن مع كل المزايا المحتملة لتعاون إيران مع الغرب فإن حكامها يحرصون ايضا على عدم النظر إلى بلادهم على انها حليف للولايات المتحدة ولا لإسرائيل على وجه الخصوص ضد السنة الذين يفوقون الشيعة عددا بمعدل اثنين لواحد في أنحاء الشرق الأوسط. ومن المتوقع ظهور المزيد من الرسائل المتباينة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة