لذلك تخلى معظم الجنـود العراقييـن عـن أسلحتهـم

 بغداد – جيمس كيتفيلد*:

لطالما كانت القوات الأمنية العراقية تمثل بطاقة عودة الأميركيين من العراق, الأمر الذي حدى بالقادة العسكريين الأميركيين, برغم خيبات الأمل الأولى المبكرة, حدا بهم الى بناء تلك القوات العراقية على صورة القوات الأميركية بالذات. 

إن القوات الأمنية العراقية التي تركها الأميركيون ورائهم كانت تقدر بـ350000 جندي ورجل شرطة, حيث دربت تلك القوات في مراكز تدريب شيدت على افضل المعايير الدولية, فضلا عن الدعم الذي تحصلت عليه وزارتا الدفاع والداخلية العراقيتان التان تم إصلاحهما بمفاهيم مدنية عالية بغية تعزيز دور وأداء وقوة تلك القوات. أما قوات العمليات الخاصة العراقية التي كانت تضطلع بمهام مكافحة الإرهاب جنبا الى جنب مع القوات الأميركية, فقد كانت تعد الأفضل من نوعها على مستوى العالم العربي.

فضمن منطقة لطالما هيمن عليها صراع القوة بين الدكتاتوريين العسكر العلمانيين من جهة والطغاة الإسلاميين من جهة أخرى, فأن قوات الأمن العراقية كانت مصممة بجد ومثابرة لتنجح كثمرة تكلفت الولايات المتحدة ما يقرب من عقد من الزمن مع 25 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين, لكي تصبح جاهزة للعبة التغيير نحو قوة عسكرية محترفة متعددة الأعراق والأطياف, فضلا عن انها توفر الوقت والمجال للمؤسسات الديمقراطية العراقية الناشئة كي ترسخ وتعمق جذورها.

لذلك, فحينما تقهقرت قوات الأمن العراقية أمام هجوم قاده ونفذه بضعة آلاف من أفراد المليشيات الذين تقدموا حتى مشارف بغداد في بحر أسبوع من الزمن, ومع استسلام الآلاف من القوات العراقية وإعدام المئات منهم ربما, ماتت الآمال الأميركية بترسيخ عراق موحد ينعم بالديمقراطية ويكون منارا لها في الشرق الأوسط.

في هذا السياق, تعلق جيسيكا لويس, وهي ضابط استخبارات عسكري سابق فضلا عن كونها تدير مركز الأبحاث في معهد دراسات الحرب, تعلق بالقول «إن الحقيقة المتمثلة في إن 4 فرق من قوات الأمن العراقية ذابت وانهارت من دون مقاومة تمثل أمرا غير عادي على الإطلاق, أمرا يدق نواقيس الخطر ويثير القلق بقوة».

وتشير لويس إلى إن عددا من اكثر قوات الأمن العراقية كفاءة ومقدرة على الانتشار كانت مربوطة بساحة العمليات ضمن قتال دموي وشرس في منطقة الفلوجة التابعة لمحافظة الانبار حيث امكن لمقاتلي دولة العراق والشام الإسلامية المعروفة باسم «داعش» من زرع أعلامهم السوداء خلال الربيع المنصرم. لذلك, فقد ترك هذا الموقف القيادة العراقية من دون احتياط قادر على الانتشار يمكن له إن يسد او يمنع صدمة تقدم قوات داعش نحو بغداد قادمين من الشمال بعدما امكن لهم السيطرة على سلسلة من المدن الشمالية ومنها الموصل وتكريت التي تعرف بكونها مسقط رأس دكتاتور العراق السابق صدام حسين.

من جانبه, عمد رئيس وزراء العراق نوري المالكي إلى استبدال قادة قوات الأمن العراقية الكفوئين الذين دربهم ورعاهم الأميركيون, ليضع مكانهم جملة من الاتباع والمتزلفين والمتملقين الشيعة الذين عمدوا بدورهم إلى إهمال تلك القوات, ما أدى إلى إضعافها خلال السنوات الأخيرة الماضية, الأمر الذي اضطره بالنتيجة إلى طلب النجدة من المليشيات الشيعية التي كانت من جملة من كانوا وراء الحرب الطائفية التي عصفت بالبلاد خلال فترة العامين 2007-2008. 

وتستدرك لويس قائلة «تحت حكم المالكي, تدهورت وضمرت قوات الأمن العراقية إلى إن وصلت مرحلة باتت معها أشبه بمليشيات شيعية يقودها قادة مليشيات شيعة وحسب, الأمر الذي أثار وصعد من مخاوف الطائفة السنية بالمقابل».

لذلك, وعبر نظرة معمقة وشاملة لوضع العراق, فأن هنالك الكثير من اللوم الذي يمكن إن يوجه لما يجري في هذه الأزمة التي باتت تقسم العراق وتوزع أبنائه على الخنادق الطائفية, سنة وشيعة وكرداً. لقد عمدت إدارة الرئيس جورج بوش الابن إلى اتخاذ قرار سيء حلت بمقتضاه جيش العراق النظامي والعلماني عام 2003, فضلا عن كونها أساءت إلى حد كبير تقدير حجم التوترات الطائفية التي يمكن إن تنجم عن إزاحة نظام حكم صدام السني لصالح الأغلبية الشيعية في العراق. كما إن القيادة العسكرية الأميركية أساءت تقدير حجم «الماموث» المكون من مجموعة الأجهزة والوظائف التي شغلتها قوات الأمن العراقية السابقة, تلك القوات التي حُلّت وانتهت إلى الصفر, الأمر الخطير الذي لم تبدأ واشنطن بالتفكير والسعي لتداركه إلا بعد مضي سنوات من الاحتلال الذي مزق العراق استنفذ طاقة الأميركيين.

من جانبها, عمدت إدارة الرئيس أوباما إلى إهمال التحذيرات التي صدرت عن بعض من كبار القادة العسكريين الأميركيين الذين دعوا إلى ضرورة الإبقاء على مدربين عسكريين أميركيين لرعاية وتمكين القوات الأمنية العراقية ودفعها للعمل بعيدا عن سياسات بغداد الطائفية. كما إن قرار الرئيس أوباما إهمال النصيحة التي قدمها له كبار مستشاريه لشؤون الأمن القومي بهدف تسليح المعارضة السورية بغية الوصول إلى نهاية اسرع للصراع في هذا البلد إنما ساعدت على بعث حياة جديدة في فصائل المتطرفين وجماعات الدولة الإسلاميـة في العراق والشام.

أما قرار أوباما الذي أصدره مؤخرا بخصوص إعادة نشر ما يقدر بـ300 من المستشارين العسكريين مع الشروع بأنشطة مراقبة جوية وعمليات استخبارات في العراق, على امل إن تشرع بشن ضربات جوية ضد مقاتلي داعش في تلك المنطقة, إنما تمثل كلها إشارات إلى مدى التدهور وخطورة الموقف الذي وصل اليه الوضع هناك. وما لم يقترن هذا الدعم بصفقة سياسية تجبر رئيس الحكومة العراقية المالكي على تحقيق مشاركة اكبر واعمق بالسلطة مع السنة, أو إن يتنحى عن منصبه كليا, فأن من غير المحتمل إن يصل الوضع إلى «حلحلة ما» بالنظر إلى عجز وتدهور وضع قوات الأمن العراقية الحالي. 

من المؤكد إن معظم اللوم في الأزمة الحالية يقع على أكتاف المالكي. لقد اكتسب الأخير, بداية, دعم وتأييد السنة حينما استخدم قوات الأمن العراقية لضرب وإخضاع التمرد الشيعي الذي حصل في البصرة ومدينة الصدر في العام 2008. لكن من دون وجود عسكري أميركي لكبح جماحه ما بعد العام 2011, خضع المالكي في النهاية لإغراءات استخدام قوات الأمن العراقية كإقطاعية يمنحها للمتزلفين والاتباع, وكي يستخدمها لترويع خصومه السياسيين.

عن هذا الموضوع, يعلق الجنرال المتقاعد والزميل في معهد الأمن الأميركي الجديد, ديفيد بارنو, والذي خدم كقائد سابق في أفغانستان, يعلق بالقول «لقد عملت القوات الأميركية بجد كبير ضمن اطار الفترة من العام 2005 إلى 2008 بغية بناء قوات امن عراقية مهنية ووطنية تمثل كل العراقيين, فيما باتت حقيقة التصور العام عن هذه القوات اليوم كمليشيات طائفية, باتت ظاهرة وبارزة أمام حقيقة انكسارها وانهيارها السريع والمفاجئ أمـام المتطرفين الإسلامييـن, الأمـر الـذي يعـد تطـورا بالـغ للخطـورة بحـق».

ويضيف الجنرال بارنو قائلا «إن حقيقة إن المالكي ومعه الحكومة العراقية طلبوا دعم المليشيات الشيعية بغية حماية بغداد, وانهم سعوا إلى الحصول على الدعم من ايران الشيعية, إنما صبغ هذه الأزمة بلون طائفي صرف, ولا حاجة للحديث عن افتقار القوات العراقية للثقة بنفسها وقدرتها على القتال كما برز من خلال انكسار الموصل الشنيع. ولا شك إن هذا يعد وضعا مضطربا بحق.»

في استذكار لعدد من تحذيرات الماضي من إن التطورات الإيجابية لقوات الأمن العراقية يمكن إن تنهار كليا بمجرد رحيل الأميركيين عام 2011, ها نحن نجد المالكي, بعد إن تخلص من ضغوط المسؤولين العسكريين الأميركيين من وراءه, نجده وقد اخلف وعوده بالاستمرار بدفع المرتبات لمقاتلي العشائر السنية الذين انقلبوا ضد القاعدة في العراق ليصبحوا جزاء من قوات «الصحوة» أثناء العام 2007.

وعبر استعارته لصفحة من كتاب الأباطرة الرومان, عمد المالكي إلى استخدام بعض من قوات العمليات الخاصة العراقية في بغداد, استخدامهم كـ «حـراس بريتوريين» بهدف تحقيـق حمايتـه الشخصيـة مع ترويع خصومه السياسييـن.

أما السفير الأميركي السابق راين كروكر الذي خدم في العراق عام 2008 أثناء تنفيذ الأميركيين لموجتهم الرامية لكشر شوكة العنف في البلاد, فيقول من جانبه «اكثر من أي شيء آخر, فأنني اعتقد إن المالكي لا يزال يتحرك بدوافع الخوف الشخصي التي تسيطر عليه, مخاوف عودة الماضي ليتلبس مستقبل الشيعة في العراق. لقد عاش المالكي شخصيا ذلك التاريخ, حيث اضطر للهروب إلى المنفى. ولقد اعتاد المالكي على الاقتباس من التاريخ فصولا وخطابات».

و يضيف كروكر قائلا «لقد سألت المالكي ذات مرة عن سبب إصراره على تشكيل وحدات العمليات الخاصة التي لا يرفع قادتها تقاريرهم إلا إلى مكتب رئيس الوزراء عوضا عن وزيري الدفاع والداخلية.

عندها, أجابني المالكي بأن وجود تلك الوحدات يمثل ضمانة لأن لا تتكرر ضده سيناريوهات الانقلابـات العسكريــــــة كما حصل مع أسلافـه السابقيـن».

وتكمن المفارقة الساخرة في أن إصرار المالكي على التلاعب بقوات الأمن العراقية مع فشله في تعزيز المكاسب التي تحققت عن «معجزة الانبار» إنما تسببت بتجميع سحب كل غيوم التهديدات التي يخشاها بشدة, تلك التهديدات التي تجسدت بكبار المسؤولين البعثيين السابقين وقد التأم شملهم مع باقي الجماعات السنية الساخطة, حيث وجد جميع هؤلاء أرضية مشتركة وسببا موحدا للتعاون مع الدولة الإسلامية في العراق والشام.

* ذي ناشيونال جورنال

ترجمة الهادر المعموري

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة