الملف الامني على طاولة معهد التقدم للسياسات الانمائية
بحثا عن بيئة امنية سليمة
وشهدت الندوة نقاشا مستفيضا للواقع الامني وتاثيراته على مفاصل الحياة ومنها المفصل الاقتصادي ومدى تأثر الحركة الاستثمارية في البلاد بهذه الواقع .. والنتائج الاخرى الناجمة عن غياب رؤية امنية واضحة من شأنها توفير بيئة امنية سليمة للمواطن باعتيار ذلك احد اهم الحقوق التي كفلها الدستور .
وفي مستهل الندوة تحدث الدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط الاسبق / رئيس معهد التقدم للسياسات الانمائية متناولا جملة من الافكار المهمة مفككا المشهد الامني باعتبار التماسك الوطني هو الاساس في استقرار الجانب الامني
حيث بين الحافظ ان الحاجة لاصلاح النظام الامني في العراق ، باتت قضية ملحة للغاية . ذلك ان الاحداث الجارية ، منذ الانتكاسة الامنية الحاصلة في الموصل ومناطق اخرى ، قد آثارت قلقا واسعا وعميقا بين المواطنين . وطرحت للبحث كيف يمكن لهذا المجتمع الخائف ان يتلمس هدف الاستقرار والامن الحقيقي ، وكيف لبرامج التنمية والاصلاح الاقتصادي ان تتقدم وتجعل الناس مدركين لاهمية الامن شرطا اساسيا وضروريا للرفاه العام وللبناء الوطني الواسع … لافتا الى ان « النظام الامني « النافذ قد استمد جذوره ومبادئه الاساسية من تطورات التغير الكبير الذي وقع في 2003 وانعكست هذه جميعها في عدة وثائق وقرارات رسمية واهمها الدستور العراقي الدائم . ففي المادة رقم ( 78 ) من الدستور يرد النص التالي :» رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة والقائد العام للقوات المسلحة ، يقوم بادارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته وله الحق بأقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب»
العلاقة بين الامن والسياسة
وبين الحافظ ان هذه المادة تطرح بوضوح ارتباط الحالة الامنية بالسياسة التنفيذية للدولة التي يتولاها رئيس الوزراء . ومع ان شيئا من الغموض قد اكتنف مقتضيات هذا الارتباط ، وسمح بشئ ملحوظ من التأويل الا ان الصلة بين الاثنين تكاد تكون متينة ومتفاعلة قطعا . ثم تعمق سوء الفهم هذا ، من خلال الممارسات العملية التي رافقت ادارة الامن الوطني في العراق واكدت الانفصام بين الاثنين . فلا يمكن لمسألة خطيرة ، كالامن الوطني ، ان تدار بأي سلوب اخر من شأنه ان يعرض مصالح المجتمع والبلاد لتحديات جدية كما حصل مؤخرا .مؤكدا ان المعالجة المطلوبة هو ان يجري اعادة صياغة هذه المادة وتقويم الممارسة العملية على نحو يؤمن الثقة والاطمئنان والارتياح لدى المواطنين .
الابتعاد عن روح المواطنة
واضاف الحافظ ان مراجعة الممارسة العملية خلال السنوات الماضية ، تؤكد ان الابتعاد عن «روح المواطنة» و «تكافؤ الفرص» بين المواطنين كان سببا جوهريا في منشأ وتطور حالة الاحتراب الداخلي ، فأوجد انشقاقا داخل القوات المسلحة وفتح الطريق لهيمنة فئة واحدة او طائفة واحدة على شؤون الامن الداخلي . وهذه احدى العقبات الاساسية التي افضت الى التناقض الكبير بين منتسبي القوات المسلحة . فالمصالحة الوطنية والتعاون بين الفئات المختلفة كانت ركيكة للغاية وولدت مشاعر العداء والاحتراب بين الافراد والهيئات العسكرية . فالعراق بحاجة الى جهاز عسكري متماسك بصرف النظر عن الاختلافات الطائفية والعنصرية وينهض بمهماته العملية من دون تدخلات غريبة و ذاتية الهدف.
التدخلات الاقليمية في الشان العراقي
وزاد.. ان التدهور والانقسام والتناحر السياسي والطائفي الداخلي قد وفر البيئة المناسبة والخصبة للاختلاف على السياسة الامنية للبلاد وتعزز ذلك بتزايد التدخلات الاقليمية وتقديم العون للمتطرفين والارهابين ممن يرفضون التجديد الديموقراطي والبناء الوطني الواسع .. مبينا ان التمييز بين المطالب المشروعة لبعض الفئات وبين التوجهات « الارهابية « كان ينبغي ان تكون اساسا لاية معالجة سليمة محلية او داخلية . فالعراق وطن حافل بالمذاهب والقوميات والطوائف ولايمكن التعامل معه بسهولة مالم يجر التمسك بالوحدة الوطنية والتعايش بين المواطنين على اساس المساواة والتكافؤ والحرص على بناء دولة جديدة حقا .
الاداء الاقتصادي بين التشويه والتردد
واضاف ايضا ..لقد تعرض الاقتصاد الوطني الى صعوبات كثيرة ، بسبب الاضطرابات الامنية وغياب الاستقرار المالي والسياسي .فالاداء الاقتصادي العام كان ومايزال مشوها ومترددا وقاصرا ليس بسبب غياب الالتزام بالاهداف المعتمدة بل ونتيجة لخلق مناخ طارد للاستثمار والقطاع الخاص . وانعكس ذلك في عزوف العديد من المؤسسات الاقتصادية ورجال الاعمال عن العمل المباشر في العراق وفي تدني المساهمة المالية الخارجية في دعم فعاليات البناء الوطني … مبينا .لقد استمعنا مؤخرا الى بيان الحكومة الداعي الى « اعلان حالة التأهب القصوى « ودعوة مجلس النواب الى الموافقة على حالة الطوارئ في البلاد . لاشك ان دوافع وغايات هذه الاجراءات سليمة ومقبولة ، لكن الامر يتطلب العمل على معالجة بعض المشكلات الجديدة الناشئة عن التطورات الاخيرة.
اصلاح الاطار التنظيمي للدولة
وشدد الحافظ على ان اصلاح بنية القوات المسلحة مهمة مشروعة وقائمة على اسس اعتماد مبدأ المصالحة الوطنية والتماسك الاجتماعي ونبذ الطائفية بوضوح . كما ينبغي التفكير مجددا بأصلاح الاطار التنظيمي للدولة . فلا يمكن ان تستمر هذه المعضلات من دون ايجاد اساس جديد لبناء الدولة ، وعلى اساس الكونفدرالية الصحيحة . فالقيادة الكردية سعت وتسعى الى تأكيد الكيان الخاص بمعزل عن الاطر الوطنية القائمة . كما ان العديد من المحافظات ابدت الرغبة في الادارة اللامركزية والحكم المحلي … مؤكدا ان وحدة البلاد هدف مهم جدا . الا ان تطمين المصالح المحلية هو هدف مهم ايضا . ولابد من الجمع بين الهدفين في صيغة ادارية وعملية ناجحة .
واعرب الحافظ عن وجود الرغبة لدى الجميع هي في ازالة آثار الانتكاسة الاخيرة ، وان نخرج برؤية وتوجهات مدروسة لحفظ الوحدة الوطنية واعادة الامن والاستقرار للبلاد وتمكين الاداء الحكومي من النجاح بطريقة عملية سليمة.
مغادرة المستثمرين ورؤوس الاموال
من جانبه تحدث رجل الاعمال العراقي راغب رضا بليبل رئيس اتحاد رجال الاعمال العراقيين عن التداعيات الامنية الاخيرة على قطاع الاعمال في البلاد .. مبينا ان الكثير من المستثمرين العراقيين وغيرهم بدءوا يفكرون بمغادرة العراق لعدم وجود بيئة امنة تحفظ لهم استثماراتهم وهذا الامر ادى الى توقف الكثير من النشاطات والفعاليات الاقتصادية التي كان من المقرر تنفيذها خلال هذه الفترة .
واضاف بليبل .. ان الرأي العام العراقي يعيش صدمة هذه الايام فعلى الرغم من ان العراقيين وعلى مدى عقود من الزمن خبروا الكثير من المشاكل والازمات الامنية ولكن تاثيرها لم يكن بمستوى تاثير ما يحدث الان نتيجة مايشاع وما يقال عن الاسباب الكامنة وراء سقوط محافظة نينوى بيد القوى الارهابية .
ودعا بليبل الى ضرورة استثمار هذه الفرصة لاعادة النظر في الكثير من القضايا التي ربما اوصلت البلد الى هذه الحالة من التدهور الامني والسياسي والاقتصادي ..
كما دعا وسائل الاعلام الى ان تاخذ دورها الايجابي في المساعدة على عملية البناء الايجابي وتصحيح الاخطاء السابقة وليس كما حاصل اليوم من عملية تاجيج الراي العام في ظل غياب الحقيقة ووجود حديث عن مؤامرة وراء ماحدث في نينوى .. محذرا من ان حالة تقسيم العراق قد تصبح واقعا ان لم نتدارك الامر والعمل على اصلاح الواقع العراقي بكل تفاصيله
البحث عن الهوية الوطنية
الى ذلك تحدث سكرتير رابطة المصارف الاهلية في العراق السيد عبدالعزيز حسون عن تداعيات الواقع الامني العراقي قائلا ان الخطة الامنية لاتبدأ من الدائرة الضيقة انما من الدائرة او الحلقة الاوسع ثم الاصغر والاصغر مع ملاحظة ان العراق احد دولتين عربيتين تجاوران دولا غير عربية حيث يحادد العراق امبراطورتين كبيرتين كان العراق وعلى مدى قرون من الزمن موضع صراع بين القوتين الايرانية والعثمانية .. لذلك يجب ان تاخذ اية خطة امنية او اي عملية اصلاح يجب ان تاخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار فضلا عن ايجاد الهوية الوطنية الضائعة في ظل الصراعات الطائفية والاثنية
واشار حسون الى ان المشكلة هي انه ومنذ عام 2003 لم يجرؤ اي سياسي عراقي في ان يتحدث بوضوح عن فقدان الهوية الوطنية ضمن الخطط الامنية مع سعي الكثير من الساسة الى نزع جلد العراق وهذا من شأنه ان يؤدي الى ضياع الكثير من القضايا وشيوع حالة من الاضطراب .. مبينا ان الكثير من المصارف الاهلية تقوم اليوم بحماية نفسها ولاول مرة يسجل ضمن موجودات هذه المصارف اسلحة ! .. وهذا ناتج من كون اجراءات الحكومة في هذا المجال هي اجراءات مجانبة للواقع ما شجع الفساد ان يستشري في جسد الدولة والمجتمع .
منظومة الامن الوطني المتكاملة
وتحدث الدكتور علي الرفيعي رئيس التيار المدني في العراق خلال الندوة .. مبينا ان نجاح الامن يؤدي الى الاستقرار السياسي وهذا لم يحصل في العراق نتيجة غياب المهنية وعدم التشاور في اتخاذ القرار الامني مع رئاسة الوزراء وغير هذه مما ادى الى حدوث حالة من التادهور الامني .. مشيرا الى ان الامن الوطني يمثل منظومة متكاملة تشارك فيها الكثير من الفعاليات الامنية
ودعا الرفيعي الى ضرورة اخضاع القرار الامني الى المزيد من الدراسة والتمحيص عبر مجلس الوزراء والمعنيين من ذوي الاختصاص وكذلك مجلس النواب لكي تكون خطة علمية مدروسة قادرة على احداث التغيير المطلوب في المشهد الامني .
غياب الاستقلالية عن المؤسسة العسكرية
الخبير القانوني عادل اللامي اشار في مداخلة له الى ان نظام الامن هو عبارة عن منظومة متكاملة تتضمن الصحة والتعليم والغذاء والامن الاجتماعي .. مبينا ان المؤسسة العسكرية في العراق لاتتمتع باستقلالية فضلا عن كونها تركز على الكم دون النوع
وكشف اللامي عن التعاون بين واشنطن وداعش في سوريا حيث وعدت الادارة الامريكية المعارضة السورية بمنحها شحنات من الاسلحة ويبدو ان هذه الاسلحة هي التي تركها الجيش العراقي في الموصل والتي تم ارسالها فورا الى داعش سوريا .. كما ان المادة 140 قد اصبحت بحكم الملغاة لان الكرد سيطروا بنحو كامل على كركوك والمناطق المتنازع عليها وبالتالي لم يعودوا بحاجة الى المادة 140 .. لافتا الى ان ماحدث في نينوى هو امر دبر في ليل ..داعيا الى ضرورة استثمار الوضع الجديد لتعديل الدستور وتشكيل حكومة انقاذ وتجميد الصلاحيات .
العراق من دولة الامة الى دولة المكونات
احد المشاركين في الندوة اشار الى العراق وبعد عام 2003 تحول من دولة الامة الى دولة المكونات انتجت فريقين احدهما لديه شعور بالخسارة وهذا الامر ولد شعورا لدى هذا الفريق بالتهميش والاقضاء ولا بد له من القيام بـ(ثورة) ضد الوضع الجديد وهذه احد اسباب مايحدث في نينوى.. مشيرا الى ان السياسة الاقتصادية هي الاخرى لم تكن موفقة فقد كان هناك ايغال واضح في عملية ترييع الاقتصاد وتغييب قطاعات التنمية ومنها قطاع الصناعة الوطنية .. داعيا الى اجراء عملية تقييم دقيقة وواضحة للوضع العراقي وتشخيص المشاكل والاخطاء لكي تتم معالجتها بروية وحكمة وفقا لروح الدستور
غطاء سياسي رسمي لداعش
وتحدث الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله البندر .. مبينا ان النقطة الاساسية التي يجب ان نغفلها ونحن نحلل الوضع الامني في العراق هي التاثيرات الخارجية على الواقع الوطني لاسيما بعد خروج الامريكان وظهور الازمة السورية التي تعتبر هي سبب مهم لكل مايحدث في العراق ومعنى هذا ان البلد يتعرض لضغط اقليمي هائل لان الحالة الديمقراطية العراقية لم ترق للكثير من الانظمة في المنطقة لذلك فان ماحدث في الموصل كان بتخطيط خارجي وبدعم داخلي من قبل الكثير من الساسة الذين يمثلون غطاء لداعش
ومضى البندر الى القول ان الجيش العراقي ومنذ تشكيله بعد 2003 ولحد الان لايمتلك طائرة مقاتلة واحدة بسبب عدم رغبة تلك الدول بذلك ولذل فهو يعاني من الضعف .. مبينا ان المحاصصة وما نتج عنها من مشاكل هي الاخرى ساعدت على اضعاف الجيش .. لافتا الى ان الحكومة تسير على نهج اعطاء كل ذي حق حقه ولكن رغم ذلك فهي موضع اتهام من قبل البعض وهذا ايضا انعكس على الوضع الامني وعرض العراق للكثير من الاخطار الجسيمة واخرها ماحدث ويحدث في نينوى
غياب العقيدة السياسية للدولة
الاعلامي حسين فوزي الساهي بين في مداخلة له ان العراق كان دولة تتكون من ثلاث ولايات يتكون من مجموعة من العشائر والطوائف لم يتم تذويبها في مجتمع واحد لان البنى التحتية لم توزع بنحو عادل
واشار عمران ان الامن الوطني الداخلي والخارجي قضية يجب ان تبنى على اساس العقيدة السياسية للدولة وهذه غائبة وللاسف.. داعيا الى الغاء الدستور.
وتحدث الخبير الاقتصادي د. علي الحسيني وصف ماحدث في الموصل بالنكسة والتي جاءت نتيجة كون المؤسسة العسكرية تفتقر الى البنى التحتية فالموجود لدينا هو جيش وليس مؤسسة عسكرية وهناك اعداد كبيرة من الجنود ولكن بدون نوع.
فقدان المعلومة وغياب الحقيقة
الخبير الاقتصادي توفيق المانع برر التدهور الامني الى غياب الحكم الرشيد وفقدان المعلومة الحقيقية فلحد الان لم تصدر الحكومة بيانا واضحا يشرح ماحدث من احداث في نينوى وغيرها الامر الذي ادى الى تشويش الرؤية لدى الناس والمراقبين وحتى افراد القوات المسلحة