أمير الحلو*
تحدثت في عمود سابق عن نظرية الفنان المرحوم راسم الجميلي في معاقبته للجنود العاملين معه في إذاعة القوات المسلحة في عام 1967، وذلك بتكليف المخالف بكتابة كل الجريدة من جديد، ويظهر أن هذه النظرية قد أعجبت العديد من الجهات الرسمية فباتت تمارسها بحق المواطن المسكين الحائر بأمنه وقوته وعمله فإذا به يجد أوامر رسمية في كل شهر تقريباً تطلب منه إنجاز وثائق ثبوتية جديدة وإلغاء السابقة، وبما أن المواطن يحتاج الى إبراز كل الوثائق التي تثبت عراقيته في حين أن كل واحدة منها تثبت ذلك، نجد ان عليه أن يترك عمله والركض نحو الدوائر الرسمية المختصة ووسط الإزدحامات والظروف الجوية المتقلبة لإثبات هويته أو إجراء الخطوات المطلوبة في السماح له بالوصول الى بيته أو ركوب سيارته بالرقم الأبيض وبنظرية الزوجي والفردي حاملاً معه هوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية وأضيفت الآن بطاقة الإنتخابات النيابية، وهذه المسميات من الوثائق تجعل المواطن يترك عمله للوقوف في الصفوف المزدحمة أمام الشبابيك الصغيرة وتحت الشمس الحارة أو المطر الشديد ليحصل على توقيع وختم لوثيقة أو إجراء جديد لا توجد له أية ضرورة (ملحة) في ظروفنا الراهنة، وقد رأى السيد رئيس الوزراء بنفسه ما يعانيه المواطنون في ساحات المرور وكان أملنا ليس في معاقبة المخالفين أو المعرقلين فقط وإنما في التخفيف عن كاهله فترة يلتقط فيها أنفاسه من إستخراج وثيقة سابقة، فإذا به يفاجأ بوثيقة جديدة عليه أن يراجع الدوائر الرسمية للحصول عليها، ومثالنا على ذلك أن أكثر من وثيقة تغيرت وأخرى أستحدثت وعليه أن يقطع المسافات المتباعدة ويدفع المزيد من الأموال وغيرها لإنجاز عملية الحصول أو تجديد هويته السابقة.
أن كل مواطن يفرح عندما يجد ضرورة وجود هوية ما معه ويعتقد أنها ثابتة وجاءت بعد دراسات معمقة، فإذا بالسلطات الرسمية تستبدلها بأخرى وتلغي الجهد الذي بذله المواطن في الحصول على الوثيقة السابقة، وقد ترد الجهات الرسمية أنها تريد منع التزوير والتأكد من صحة الوثائق وهو تبرير مقبول إذا كان ينسجم مع أغنية (زوروني كل سنة مرة) بدلاً من عشق حالة المواطن وهو ينتقل من دائرة لدائرة اخرى لتزكية مواطنته وتمشية معاملاته في دوائر الدولة، وحتى في حياته اليومية، ومع علمنا بوجود حالات مخالفة أو عمليات تزوير ولكن حل هذه الأمور لا يتم بإشغال المواطن طيلة السنة بل بالثبات على سياقات سهلة وسريعة للتأكد من مواطنة المواطن، علماً بأن من يرتكب الجرائم يحمل كل هذه الوثائق ويمر بسهولة عبر السيطرات، لذلك فالسؤال المطروح هو: ما جدوى هذه الوثائق الكثيرة إذا كان من السهولة إختراقها؟ أقول ذلك وأنا أقرأ تعليمات جديدة حول دمج هوية الأحوال المدنية مع شهادة الجنسية، وهو إجراء سليم ولكن دعوا المواطن يستريح من معاناته في إستخراج الوثائق السابقة والتعامل مع الحالات المستعصية مثل وصولي الى القرب من جامع يقام فيه مجلس العزاء للمرحومة شقيقة زوجتي فإذا بالسيطرة تسألني هل لديك ما يثبت أنك من سكان المنطقة!! وهذا يعني أن الفاتحة مقتصرة على سكان المنطقة وعلينا إجراء عدة فواتح بموجب بطاقة السكن !!!