أمير الحلو*
لم أكن أعرف المرحوم عبد الكريم الجدة شخصياً فقد كان أحد أعمدة السلطة ويشغل منصب آمر الإنضباط العسكري طيلة حكم المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم، وأنا طالب في كلية التجارة والإقتصاد آنذاك، ولكن لقائي به تم في ظروف صعبة ومعقدة إذ كنت موقوفاً بأمر من الحاكم العسكري العام سنة 1961، وكانت المحطة الأولى في التوقيف تبدأ من مقر الإنضباط العسكري في وزارة الدفاع، وكان الرجل معروفاً بحبه وإخلاصه للزعيم شخصياً ويدين له بالولاء المطلق، وقد أصدر كتاباً عنه ليس بعيداً في فكره وأسلوبه عن كتابات الصحفي المخضرم عبد الرزاق البارح الذي عدّ أن الزعيم قد جاء (من وراء ملايين السنوات الضوئية) كما جاء في أحد كتبه، ولحد الآن لم أفهم معنى هذه الصفة سياسياً !
كنا مجموعة من الموقوفين السياسيين في الإنضباط العسكري، وفي إحدى الليالي جمعونا ليلتقي بنا الجدة، وعندما دخل علينا وكان ودوداً قال انه يرغب بإجراء حوار سياسي معنا ثم توجه بنظره الى صورة الزعيم عبد الكريم قاسم التي تتصدر القاعة ووجه سؤالاً مباشراً إلينا وهو ينظر الى صورة الزعيم قائلاً لنا: ما الفرق بين شكل الزعيم وشكل جمال عبد الناصر؟ وهنا ساد الصمت القاعة ولم نستطع الإجابة على هذا السؤال، فقال انكم تتذكرون شكل عبد الناصر من صوره (حتماً) فركزوا أولاً على شعره فهو مفتول كالزنوج بينما نرى شعر الزعيم (سرحاً) وناعماً وذلك دليل أكيد عل أصول عبد الناصر غير العربية بينما الزعيم عربي أصيل، والملاحظة الثانية أن جبين الزعيم مقوّس كالهلال في حين أن جبين عبد الناصر مستقيم وتلك ليس من صفات العرب، لذلك فأن على جميع العرب إعتبار الزعيم قائداً وقدوة لهم، وبعد أن أنهى تليله نظر إلينا ليرى رد الفعل علينا فلم يجد أياً منا على إستعداد لمناقشته، ولم يكن فينا خبير بعلم الأجناس والأصول لذلك فضلنا السكوت طمعاً بالسلامة، وعندما لم يجد إستجابة منا أخذ يقرأ قائمة الموقوفين الموجودين والتهم الموجهة إليهم، وعندما وصل الى إسمي قال إنك ستحجز في سجن بعقوبة بأمر من الحاكم العسكري العام وهذا قد يعيد عقلك إليك وستجد نفسك على خطأ حتماً وسوف أرسلك الى مدير الامن العام عبد المجيد جليل (ليتفاهم) معك أولاً، قلت له هل يمكن أن أتفاهم معك أولاً وأروي لك قصة إعتقالي وصدور أمر الحاكم العسكري العام بحجزي؟
قال: قل، قلت انك تعرف ظروف الصراعات الموجودة على الساحة العراقية بين قوى وطنية بالأساس ولم تكن منطقية أو مبررة واستخدمت فيها أساليب غير إنسانية بينما القوى الرجعية والإستعمار يتآمران على العراق، لذلك فضلت الجلوس في داري مبتعداً عن تلك الصراعات ….. للحديث بقية .